المقولة أعلاه لأحمد حميد الدين وهو يصف أبناء القبائل اليمنية التي ساندته لاستعادة الحكم بعد مقتل والده! هذه إذاً - باختصار شديد- هي نظرتهم لمن يقدم دمه ويستحلّ دم أخيه كقرابين رخيصة في سبيل تحقيق أحلامهم بالسيطرة؛ مجرد "ابن بلاء" لا حاجة لهم فيه أكثر من أن يكون الفداء يوم البلاء، بل ويعتبرون ذلك تشريفاً وتوفيقاً وكرامة ل "عيال البلاء" من أتباعهم! لم أكن بحاجة لتذكر هذا الإرث الاستعلائي المقزز، لولا أنني لمحت في أكثر من موضع في نقاشات مواقع التواصل الاجتماعي - مؤخراً- استخدام هذه المقولة باعتبارها إشادة إمامية باليمنيين من أتباعهم أنهم "أبناء بلاء" إذ توضع في سياقات توهم بعض الأغبياء أن "ابن البلاء" مديح يعني المقاتل الشديد! دون الخوض في المغزى العرقي المنتن الذي يرمي إليه الوصف في عمقه. هي مسبة واضحة لا يقبلها ذو عقل، واستخفاف تأنفه النفوس السوية، ليس فقط بالقيمة المعنوية لليمني الذي يقر له بعراقة الأصل ورفعة القدر كل عربي، وكل مطلع على أبسط معلومات الحضارات الإنسانية عموماً، بل يتعداه حرفياً إلى استخفاف يهدر حياة اليمني ووجوده ككائن لا قيمة لدمه، حتى وإن كان من "شعب المسيرة العظيم المؤمن".
في هذا السياق فقط يمكن فهم حالة التبلد الشعوري والصلف والرعونة لدى الإماميين الجدد ولا مبالاتهم بحياة كل أولئك الذين ساقوهم ويسوقونهم إلى حتوفهم من "أبناء البلاء" اليمنيين في حروبهم العبثية منذ عشر سنوات، ناهيك عن اكتراثهم بحياة من سواهم، أما الخصم والمخالف فبالبنادق والجرامل والأوالي والفؤوس. فيما عدا حادثتي اغتيال جدبان ثم شرف الدين، ذكروني- إن تجاوزت- بحالة نعي واحدة صدرت منهم لأي من أولئك الذين تضمهم مقبرة صعدة، أكبر وأسرع مقابر العرب نمواً، رغم ضخامة آلتهم الإعلامية وضخامة الفقد.
يقوم مكتب زعيمهم بكل شيء تقريباً عدا إعلان الأسف على روح تابع فقدوه في ساحات حروبهم وما أكثرها. في المقابل ستجد لطميات دائمة لا يكاد يتوقف استحضارها من قعر التاريخ حتى صاحب القبة الأخيرة، لا علاقة لأي منها ب "ابن بلاء" واحد من اليمنيين الذين خسروا حياتهم في سبيل وهم الحق الإلهي بالحكم. لم يعد الأمر خافياً على أحد، أو انه ادعاءٌ يحتاج إلى براهين، بل صار من البدهيات لدى القاصي والداني، خاصة في عصر "الإنفوميديا" بالغ الكشف، حتى أنني بتُّ أخشى أن احمرار رمان صعدة الشهير لا يعود لجودة تربتها الزراعية كما يشاع بقدر ما هو تجسيد لأنهار من دماء اليمنيين اختلطت بترابها لا تكاد تجف.
لطالما احتفظ الوجدان الشعبي بمقولات مغرقة في دناءة الاستخفاف باليمنيين لهذا الطاغية الذي افتتحت حديثي بمقولته، مقولات معظمها يتضمن تحقيرات عنصرية لمناطق وقبائل يمنية يستشهد بها الناس لمكايدة بعضهم بعضاً على سبيل التعيير والتحقير ولأجله قيلت، ولا حاجة لذكر أيٍّ منها، فلايزال بعضها طافياً على سطح الجهل والعنصرية منسوباً إلى ذلك اللسان الذي لم يرَ صاحبه أبناء اليمن سوى "أبناء بلاء" لم يخلقوا إلا لريِّ دروب "أبناء المش بلاء" بدمائهم وإيصالهم إلى العرش.
مهما كلّف الأمر من خراب وتدمير لمقدرات هذا البلد وسفك لدماء هذا الشعب، فلاشيء له قيمة لديهم مثل لحظة تدلي "العَذَبة" من العمامة على الخد الأيسر، لا مدرسة أو منزل أو مسجد أو روح، "التصعيط مستمر" فليذهب العالم وقلقه إلى الجحيم ف "الحجر من القاع، والدم من راس القبيلي" كما قال قائلهم ذات ظلام.