الدعاية هي التي سهلت للحوثيين الوصول إلى صنعاء - حسب رئيس جهاز الأمن القومي - . هذا التصريح الذي أدلى به د. علي حسن الأحمدي- رئيس أخطر جهاز أمني في البلد هو أهم وثيقة يمكن أن يستند إليها أي باحث أو محقق أو مؤرخ في رصد وتسجيل أسباب السقوط السريع لصنعاء في يد جماعة مسلحة 21سبتمبر الجاري . لم يعد ضروريا ترك ما حدث وتفسير سبب الانهيار للتاريخ - كما نصح المبعوث الأممي جمال بن عمر - لأن الصورة أصبحت أكثر وضوحا بعد أقل من أسبوع واحد من السقوط .
الأحمدي أوضح في حوار نشرته جريدة السياسة الكويتية السبت 27 سبتمبر قائلا: (الدعاية التي كانت تبثها بعض الأطراف بأن المعارك بين الإصلاح والحوثيين فقط، وأن على الوحدات العسكرية ألا تنحاز إلى أي طرف، هذه الدعاية وهذا التوجه لهذه الوحدات من قبل قياداتها السابقة جعلها لا تنفذ توجيهات وزارة الدفاع, ولم تنفذ المهام الموكلة إليها بل إن البعض منها أعلن تأييده للحوثيين دون أي مواجهة أو حتى تهديد من الحوثيين, ومنهم من ترك معسكره أو موقعه ليستولي عليه الحوثيون وهذا سر نجاحهم في الوصول إلى صنعاء بهذه السهولة.).
ما لم يوضحه الأحمدي هو: لماذا شاركت قيادات عليا في الدولة مثل وزير الدفاع ، وحتى رئيس الجمهورية في تلك ال(بروباجندا) منذ سقوط عمران وحتى ما قبل عمران ؟! تحدث وزير الدفاع كثيرا عن حياد الجيش، ودعوة الأطراف المتصارعة للحوار والسلم، وكان من الطبيعي أن يتبنى المجتمع الدولي والإقليمي هذا التقييم. في الوضع الطبيعي.. كان سيتعين اعتبار ما حدث خيانة عظمى ساعدت في سقوط العاصمة بيد عصابة مسلحة، ولكن يبدو أن د.الأحمدى تحدث كمراقب ومؤرخ فقط ، رغم أنه مسئول الأمن القومي للبلد.!
من المؤكد أن جهاز الأمن القومي يدرك جيدا أن الدعاية أداة رئيسة للحرب النفسية ، وأن من أساليبها المعروفة: تكرار الكذب حتى يصبح حقيقة راسخة بهدف التضليل الذي يعتمد على اختلاق أو إخفاء الحقائق بهدف نشر معلومات خاطئة عن حدث معين أو مجموعة معينة. صحيح أن الواقع أكثر تعقيدا، فالتجمع اليمني للإصلاح كقوة سياسية واجتماعية كبرى في البلد هو المرشح الأبرز لمواجهة جماعة الحوثي ولكن في مربع العمل السياسي لا العسكري، لذلك حرصت الجماعة المسلحة على الهروب من الميدان الذي يتقنه الإصلاح إلى الميدان الذي تتقنه هي، ووجدت في الدعاية التي أشار لها رئيس جهاز الأمني القومي خير معين لإسقاط العاصمة صنعاء وقبلها عمران .
الدعاية التي أسقطت صنعاء - كما أوضح أمننا القومي – شاركت فيها قيادات عليا في الدولة وفي المؤسسة العسكرية والأمنية، و منابر إعلامية وصحفية أيضا، وحتى لو اقتصر دور جهاز الأمن القومي على أرشفة الأحداث وإعداد ملفات خاص بالخيانة التي تمت، فإن تلك الملفات لن تكون بعيدة المنال عن المؤرخين، لأنها لن تقول في الغالب أكثر مما قالته مقابلة الأحمدي في جريدة السياسة الكويتية.