[الأنبياء غير المسلحين محكوم عليهم.. بالفشل!..ميكافيللي] [1] لا مثيل في الغرابة السياسية كمثل المشهد العام في ليبيا في وجوه عديدة؛ تبدأ من حقيقة أن البلد التي تركها نظام القذافي المتخلّف عن معنى الدولة (نقول هذا رغم أن من دعاة الدولة المدنية ودولة المؤسسات اليمنيين من ما يزالون يترحمون على زمن القذافي!) عبارة عن مجموعات ميلشيات عائلية وقبلية عسكرية، وبلد يتحكم فيه أبناؤه وشللهم على طريقة مهراجات الهند.. ليبيا هذه وجدت في قوى ثورة 17 فبراير من يحتكم إلى القانون ويلتزم به في حسم شرعية المؤسسات الحاكمة عندما قبلت حكم المحكمة الدستورية بعدم شرعية حكومة المعيتيق الموالية لثورة فبراير؛ رغم ما كان يعني ذلك من انتصار مؤقت للثورة المضادة التي يقودها أتباع القذافي والمتضررون من رموز عهده من قرار حرمانهم مُمارسة العمل السياسي.
وبالمثل لجأت قوى الثورة والنواب المؤيدون لها إلى نفس الطريقة للطعن لدى المحكمة الدستورية في شرعية انعقاد مجلس النواب في طُبرق بدعم إماراتي - مصري، وتشكيل حكومة وجيش من مليشيات القذافي لتصفية ثورة فبراير، والانتقام –على الطريقة المصرية واليمنية- من القوى التي كان لها دور حاسم في ثورات الربيع العربي! وجه آخر مثير للاهتمام أن ليبيا التي جردها معمر القذافي، خلال 40 عاماً من حكمه وشذوذه السياسي والفكري، من مقوِّمات الدولة وخاصة تحويل الجيش الليبي إلى مليشيات خاصة، وتحويل الليبيين أحفاد المختار إلى هتيّفة يثيرون سخرية العالم وهم يلوحون بأيديهم في المهرجانات الكاريكاتورية ضد العالم والقوى العظمى.. ليبيا هذه وجدت من أبنائها الثوار من يرفض أن يسمح بعودة النظام القديم بدعوى التزام السلمية، ولم يترددوا أن يحملوا السلاح للدفاع عن كرامة أبناء شعبهم وشرفهم من أن يعودوا عبيداً من جديد لأي حاكم.. فتصدوا لمؤامرة إقليمية وقحة تقودها الإماراتمالياً ومصر عسكرياً في ظل صمت وموافقة دولية مدعممة بدعوى إسقاط الجماعات الإسلامية المتطرِّفة، وعلى الطريقة نفسها التي جرت في مصر واليمن، وحاولوها في تونس حتى حققوا نصف هدفهم.
[2] جانب آخر من الغرابة المدهشة ملحوظ في أن الدول الخليجية الداعمة للثورة المضادة كانت هي نفسها التي باركت إسقاط نظام القذافي.. وهي اليوم تبذل ملياراتها وإمكانياتها الإعلامية والتآمرية الاستخباراتية لإسقاط نظام ثورة فبراير وتدمير ليبيا (أو كما قالوا بعد صدور حكم حل البرلمان إنهم لا يعترفون به ولو أدى الأمر إلى تقسيم ليبيا) بعد أن هالها أن ثمرة الثورة في ليبيا كمثل مصر وتونساليمن ستكون نظاماً جديداً يجرد بعض الدول الكرتونية المحمية بجيوش الأجانب من القشرة الحضارية التي تتلبس بها أمام شعوبها، ويتضح كم هي أنظمة خارجة عن مسار التاريخ وما تزال تتعامل مع شعوبها على طريقة الجحش الذي اشتراه شيخ عربي بثلاثة ملايين دولار.. ربما ليزيد أعداد الجحوش التي تحمّل جواز سفر دبلوماسي في بلده! ثمة دافع إجرامي آخر خاص بالإماراتيين هو نفسه الذي جعل هذه الدولة المتمسكنة تتحول إلى وحش يتآمر على دول مثل مصر واليمن وليبيا لسبب متكرر في البلدان الثلاثة، فأصل المشكلة الإماراتية –كما يقول المفكِّر الأمريكي المعروف نعوم تشومسكي- هو شركة موانئ دُبي التي تخشى من منافسة الآخرين لها في المنطقة.. ففي اليمن تم إجبارها بعد تغيير النظام السابق على الانسحاب من مشروع المنطقة الحُرة في عدن بعد أن ترجح أن الإشراف الإماراتي كان يعمل لإماتة المنطقة الحُرة لصالح ميناء جبل علي.. وفي مصر كانت الإمارات قطب الرحى في المؤامرة والانقلاب العسكري الذي أعاد نظام حسني مبارك خشية من مشروع تنمية قناة السويس العملاق، الذي تبناه الرئيس محمد مرسي لتحويل القناة من مجرد ممر مائي إلى مشروع اقتصادي صناعي عالمي! وختام المؤامرة كان في ليبيا التي بثرواتها البترولية وموقعها الإستراتيجي تصلح أيضاً لتكون مرتكزاً لمشروع اقتصادي عالمي يضعف من دور المنطقة الحُرة في دبي التي تقع خارج ممر الملاحة العالمي على عكس عدن وقناة السويس وليبيا!
[3] وعلى قاعدة: البعرة تدل على البعير؛ فهناك عدّة بعرات أو قواسم مشتركة في المؤامرة التي تقوها الإمارات في الدول الثلاث المذكورة؛ مثل احتضانها رموز الأنظمة القديمة؛ من مصر واليمن وليبيا وتونس أيضاً، وتحويل أراضيها إلى قاعدة تآمر وتخطيط وتمويل ودعم مالي ولوجستي وعسكري لكل المؤامرات التي استهدفت إسقاط السلطات الديمقراطية التي جاءت بها رياح الربيع العربي! وفي هذه الدول التي تواجه أزمات أو انقلابات وتمردات سنجد أن رموز الأنظمة القديمة وقادتها السياسيين والعسكريين والمشايخ ورجال الأعمال الفاسدين في صدارة المؤامرات متحالفون مع بعض المرتدين الثوريين عن الديمقراطية، وكلهم ممن يترددون على دُبي لأداء العُمرة في رواية، وفي أخرى لمراجعة الحسابات في البنوك! ومن أدق البعرات الدالة على وحدة المؤامرة والمتآمرين اتفاقهم على استهداف الرموز البارزة التي كان لها دور حاسم في ثورات الربيع العربي، في مصر جعلوا الإخوان يدفعون ثمن صمودهم وتضحياتهم التي أنقذت الثورة في موقعة الجمل يوم انصرف كثيرون إلى بيوتهم، وهجم اتباع حسني مبارك على ميدان التحرير لتصفية أي وجود للثورة والثوار فيه.. ويومها كان الذين صمدوا وقدموا أرواحهم لحماية الثورة هم شباب الإخوان! وفي اليمن حدث الشيء نفسه (مع اختلاف بعض التفاصيل في نوعية المؤامرة وأطرافها).. ففي الانقلاب الأخير وعملية الزحف من صعدة إلى صنعاء مروراً بعمران كان الهدف واضحاً: تصفية الرموز الذين أسهموا بقوّة في مواجهة النظام السابق من سياسيين وقادة عسكريين ومشايخ.. وتُرك الآخرون ممن كان لهم دور لا ينكر في الثورة ولكنهم لا يشكلون خطراً ولا كانت مواقفهم قاصمة للظهر! وفي ليبيا اليوم، وقوات المؤامرة المصرية - الإماراتية تحاول السيطرة على بنغازي؛ تتكرر نفس أكاذيب الإعلام المتآمر وخصوصاً قناة "العربية" عن انتصارات حاسمة يحققها المتمردون ضد المتطرفين والتكفيريين والدواعش، والإرهابيين الذين يقطعون الرؤوس، وتتكرر نفس أفعال استهداف رموز الثورة ضد نظام القذافي، وهاكم أمثلة عن ذلك: -استهداف منزل البطل الطيار فخر الدين الصلابي الذي ضحّى بنفسه ليفجِّر رتلاً عسكرياً لأتباع القذافي كان متجهاً لاقتحام مدينة بنغازي أثناء أحداث ثورة 17 فبراير. - اقتحام منزل الثائر الشهيد المهدي زيو الذي اقتحم بسيارته البوابة الرئيسية لمعسكر كتيبة الفضيل.
[4] العداء لحماس أيضاً إحدى البعرات الملحوظة في تحالفات المؤامرات بقيادة الإمارات التي خصصت بوقاً اسمه ضاحي خلفان للتعاون الإعلامي مع الصهاينة ضد المقاومة، وفي آخر خبر من مصر؛ التي يحسن الظن بقيادتها بعض المغفلين التاريخيين، أن وزارة الداخلية المصرية تقدّمت بطلب لإسقاط الجنسية المصرية عن 24 ألف فلسطيني؛ منهم 8 آلاف فقط حصلوا عليها بعد ثورة 25 يناير.. وللعلم فقط؛ فهناك قانون مصري صدر أيام حسني مبارك يقضي بمنح الجنسية المصرية لأزواج المصريات من غير المصريين وأولادها منهم.. وقد استفاد منه كثيرون وخاصة الفلسطينيين الذين يعيشون بجوار مصر منذ آلاف السنين، وكانوا جزءاً من الدولة عشر سنوات، وحدثت بالضرورة حالات زواج لا تُعد ولا تُحصى! ربما يكفي ذلك لتفهم سبب إعراض الإمارات عن فعل شيء لاستخلاص جزرها التي استولت عليها إيران الشاة ورفضت إيران الفقيه إعادتها، وفي المقابل نلاحظ هذه الحمية البدوية العنترية ضد أنظمة عربية لطالما ساندت الموقف الإماراتي.. فالمسألة ببساطة ليست أنها تخشى القوة العسكرية الإيرانية. لا، الحكاية أن إيران ليس لديها مشروع منطقة حُرة يمكن أن ينافس جبل علي!