مما لاشك فيه أن سقوط العاصمة صنعاء بيد مليشيات الحوثي ، كان له الأثر الكبير في التحولات الثورية التي يعيشها الجنوب هذه الأيام ، وجدد الأمل في نفوس الجنوبيين باستعادةدولتهم السابقة ، خاصة وأن معظم القيادات الحوثية قبل الانقلاب الذي شهدته صنعاء كانت تدعم فكرة تقرير المصير الجنوبية ، ويمكن لنا هنا رصد عددا من التحولات الثورية في الجنوب بعد سقوط صنعاء بيد الحوثيين ولعل أبرزها: قيام بعض القوى الثورية الجنوبية بتأسيس مجلس الإنقاذ الوطني الجنوبي بقيادة محمد علي أحمد ، وللأمانة العلمية فقد كانت فكرة تأسيسه قائمة قبل سقوط صنعاء بيد الحوثيين ولكن سقوط صنعاء عجّل بتأسيسه لجمع كلمة الجنوبيين ووحدة كلمتهم أمام التحديات والتغيرات القادمة من صنعاء كما أشار بيان التأسيس ، وهذا المجلس قام بدعمه الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد كما أشارت بعض المصادر ، وقد التفت حوله العديد من القوى والمكونات الجنوبية لتأسيس جبهة وطنية جنوبية موحدة تعمل على التنسيق ولمّ شمل بين جميع القوى والمكونات الثورية في الساحة الجنوبية ، للخروج برؤية موحدة على طريق التحرير والاستقلال ، ثم جاءت دعوات الاعتصام التي قامت بعد الاحتفال بالعيد الوطني لثورة 14 أكتوبر المجيدة في ساحة العروض بخورمكسر ، وكانت عفوية من بعض الشباب الجنوبي ، ولم يخطّط لها وكان الغرض منها لفت نظر المجتمع الدولي لمطالب الجنوبيين في استعادة دولتهم ، وكان مقرراً لها ثلاثة أيام فقط !!، ولكن الأقبال الجماهيري الكبير من قبل الجنوبيين شجّع الداعين للاعتصام الاستمرار فيه ، مما أدهشهم بعد ذلك !!.، وغيّر معادلة القوى بين الجنوبيين أنفسهم وهو ما سنلاحظه فيما بعد . ثم كانت فكرة دمج أكبر مكونين للحراك الجنوبي في كيان واحد وهما المجلس الأعلى للثورة السلمية الجنوبية بقيادة البيض ، والمجلس الأعلى للحراك الجنوبي السلمي بقيادة باعوم ، ويعتبر هذا الدمج أهم التحولات الثورية الجنوبية ، وأعطى الجنوبيين دافع قوي لتوحيد كلمتهم ورص صفوفهم ، ويأتي هذا الدمج كما يظهر للعيان استجابة لمطالب الشعب الجنوبي المتكررة بالتوحد ونبذ الاختلاف والفرقة ، هذا هو الظاهر على السطح وكما صرح بذلك الزعيم الجنوبي حسن باعوم ، ولكن العالمين ببواطن الأمور لديهم تفسير مختلف ، حيث أن دعوة الاعتصامفي ساحة العروض بخورمكسرالمذكورة آنفاً والتي دعى لها وقام بها شباب من خارج المكونين المذكورين وخاصة من المكونات الإسلامية كالهيئة الشرعية بقيادة بن شعيب وحركة النهضة بقيادة الشيخ عبد الرب السلامي ، وحين وجدت تلك الدعوة الأقبال الكبير من الجماهير الجنوبية ، أعلن المكونين النفير وخرجوا بحركة دمج المكونين ، ويرى كثير من المراقبين أن إعلان الدمج لم يقم على قواعد سليمة ، وما يفرق المكونين أكثر مما يجمعهما لذلك فمصير الدمج هو الفراق ولن يستمر طويلاً!! .
وكانت أبرز التحولات الثورية الجنوبية هي عودة السيد عبد الرحمن الجفري رئيس رابطة أبناء الجنوب العربي ، وأعطى وصوله لعدن هو الأخر دافعاً قوياً في الجنوب لتحقيق التحرير والاستقلال في وقت قريب كما يأمل الكثير من الجنوبيين ، خاصة وأن الرجل مشهود له بالكفاءة والنزاهة ، وصاحب مواقف وطنية واضحة ، بل يكاد – كما حدثني أحد القيادات الجنوبية المعروفة – يكون الشخص الوحيد مع رموز المكونات الإسلامية في الجنوب الذين رفضوا إقامة علاقات سياسية مع طهران ، حيث يعرف أبناء الجنوب أن كل القيادات الجنوبية تتعامل بشكل علني أو سري مع إيران ، بينما أغلق السيد الجفري وقيادات حركة النهضة الإسلامية كل قنوات الاتصال مع طهران! ، حيث يرى أن التعاون الجنوبي – الإيراني يضر بالقضية الجنوبية كثيرا مع دولة منبوذة دولياً ، وكذلك فأن الشعب الجنوبي يتميز بالوسطية والاعتدال وليس للمذهب الشيعي أي قبول أو ترحيب في الشارع الجنوبي صاحب المذهب السني الشافعي المعتدل . ثم كانت أبرز وأهم التحولات الثورية في الجنوب – من وجهة نظري – هي موقف الرئيس البيض الأخير لما يتمتع به الرجل من تأثير كبير في الشارع الجنوبي ولما يتمتع به من شخصية كارزمية وقيادية مميزة ، حيث كان موقفاً وطنيا ومشرفا أيضاً ، حيث غادر العاصمة اللبنانية بيروت نهائياً ، وأنهى جميع أعماله السياسية والتجارية هناك ، نتيجة الضغوط الإيرانية عليه والتي تزايدت بعد سقوط صنعاء بيد الحوثيين ، حيث تشير المصادر بأن طهران طلبت من البيض الترحيب بسقوط صنعاء ومد يد التعاون مع الحوثيين وتسهيل تمددهم داخل الجنوب ، ولكن الرئيس البيض رفض تلك العروض رفضا قاطعا ، وقال لهم بالحرف الواحد بأن تعاونه السابق مع إيران كان سياسياً فقط ، وكان رده هذا غير مرحب به عند ساسة إيران ، فقاموا على الفور بفتح قنوات أتصال أخرى مع قادة جنوبيين أخرين مستعدين للتعاون الغير مشروط معها ، وهو ماحدا بالرئيس البيض لإنهاء جميع أعماله في بيروت ، والتخلي الكامل عن قناته عدن لايف وسيطرة حزب الله عليها والرحيل إلى النمسا ، وهذا الموقف من السيد البيض ليس مستبعدا – كما تؤكد بعض القيادات الجنوبية - فالرئيس البيض كان ولا يزال رجلاً معروفا بوطنيته وقوميته العربية ودفاعه المستميت عن آرائه ومعتقداته مهما خالفت رغبات الآخرين رغم رعونته وطيشه السياسي أحياناً!! .
هذه محاولة بسيطة لرصد ما يجري في الساحة الجنوبية هذه الأيام ، ومازالت هناك الكثير من المفاجآت والأحداث التي ستشهدها الساحة الجنوبية وخاصة في ال 30 من نوفمبر القادم ، وهو اليوم الذي خرج فيه المحتل البريطاني من أرض الجنوب ، ويعيد في نفس الجنوبيين الأمل لمرحلة جديدة من مراحل الانعتاق والتحرر وإن كان هذه المرة من شمال الوطن كما يحلم معظم الجنوبيين! .