عندما أعلن مؤتمريون أن هذا العام سيشهد نهاية اللقاء المشترك فإنهم لم يكونوا يهوّشون إعلامياً؛ فقد كشفت أحداث اجتياح صنعاء، وتعرض القوى المؤثرة في الثورة الشعبية السليمة للحرب المكشوفة، والاجتثاث والتضييق أن نبوءة النهاية كانت بناء على مخططات متينة وتحالفات قوية رغم سوءتها الأخلاقية.. وصحيح أن اللقاء المشترك ككيان سياسي لم يصبه ما أصاب الآخرين؛ إلا أنه ظل قائماً كأسود المفارش إن لم نقل إنه ملقى منذ زمن في غرفة الإنعاش! لم يصل المشترك إلى الحالة الشبيهة بالرجل المريض الميئوس من شفائه فجأة؛ فخلال الفترة التي تلت الانتصار السياسي الجزئي الذي حققه المشترك ببدء المرحلة الانتقالية؛ التي دشنها التوقيع على المبادرة الخليجية وتنحي الرئيس السابق؛ بدأت عوامل الضعف تنخر في جسد المشترك، وبدأت غرائب التحالفات السرية تثير الغثيان وبعض رموز المشترك السياسيين والإعلاميين ينقلون عفشهم إلى مربع متماهي مع النظام السابق سياسيا وإعلاميا أبرز أجندته أن العدو الحقيقي هو الإصلاح، والفرقة الأولى مدرع ومعسكرها، وأبناء الشيخ عبد الله الأحمر والقبائل التي ساندت الثورة.. وبعض هؤلاء لم يخجل أن يمارس تحالفاته الجديدة مع النظام السابق وعداء حلفائه داخل المشترك علنا، ودون أن ينسى الالتزام بالاجتماعات الدورية والعض بالنواجذ على فرصة العمر بمشاركته في نصيب المشترك في الحكومة! ولم يكن هناك من سبب يبرر ذلك الوضع الغريب إلا أن المبادرة الخليجية التي منحت المشترك نصف الحكومة كانت لا تعترف إلا باللقاء المشترك كشريك سياسي.. وكان من الصعب على من ذاقوا طعم الجاه والامتيازات التي لم يكونوا يحلمون بها أن يتبرأوا من المشترك بسهولة وعلنا! السلوك العدائي داخل المشترك وصل مع مرور الأيام إلى مستوى شاذ من الممارسات التي كانت تسمح لصحف حزبية رسمية أن تشارك إعلام النظام السابق في التنديد بالمبادرة الخليجية، وحلفائهم في المشترك، وصولا إلى التشهير بحكومة الوفاق التي يشاركون فيها ويتقلبون في عزها ودولاراتها! وأن يعلن بعض قياداته مواقف سياسية واتهامات لحلفائه بالغة السوء والقباحة الأخلاقية بل والجنون مقابل سكوت البعض عنها طالما أنها لم تصبهم مباشرة، وانصبت أوساخها غالبا على حزب واحد بذاته! وتواصلت كرة الثلج اللئيمة في النمو حتى صار الهم الأول لبعض أحزاب المشترك هو تصفية الحسابات وتسجيل النقاط ضد بعضها من تحت الطاولة، ومن فوق الطاولة عبر شخصيات صارت توسم بأنها متفلتة تنظيميا؛ تاركين الخصم المجروح منهم المتشوق ليوم الانتقام يرتب صفوفه، ويحشد مقاتليه الإعلاميين والعسكر؛ ومعهم أولئك البشمرجة الذين جاءوا إليه من داخل المشترك نفسه؛ لتنفيذ عمليات القصف الإستراتيجي والتشويه المبرمج للثورة السلمية ورموزها، وهي المهمة التي نجحوا فيه بامتياز؛ وخاصة بعد انضمام الحوثيين بقضهم وقضيضهم لهذا التحالف، وتكلل النجاح بسقوط صنعاء كالثمرة الناضجة في أيديهم؛ في الوقت الذي كان المشترك يجسد حالة مزرية أسوأ حتى من حالة الجامعة العربية التي يمكن القول إنها لم تصل إلى مستوى المشترك في أضعف حالاتها! تصريحات د. ياسين نعمان عن عدم وجود قضايا مشتركة للقاء المشترك باستثناء السلام ونبذ قيم الحروب (إسرائيل نفسها ستجد نفسها موافقة على ذلك!)، وما جاء في بيان الحزب الاشتراكي في الإطار نفسه الذي أوحى بأن المشترك لم يعد له داع؛ لم يكن مفاجئا إلا بدرجة جزئية؛ ليس فقط لكل ما سبق ذكره عن حالة المشترك، ولكن لأن بعض رموز الحزب السياسية والإعلامية من الصف الأول كانت تشارك بحماس (قد يكون بسذاجة نية عند بعضهم) في عمليات استهداف اللقاء المشترك، وحكومة الوفاق المجيرة إعلاميا على المشترك بسبب ترؤس باسندوة لها، وبعض حلفاء الحزب، والطرق على فكرة أن الحزب خسران من وجوده في المشترك وتحالفه مع القوى القبلية والتقليدية والدينية.. إلخ البنود التي كانت أيضا للمفارقة تتردد في إعلام المؤتمر حرفيا! وكذلك لأن استقراء بعض اتجاهات الخطاب السياسي والإعلامي للحزب الاشتراكي ؛من بعد إقرار مبدأ الأقاليم الستة تحديدا؛ تشير إلى أنه انخرط في مشروع آخر لم يعد يتلاءم مع المشترك؛ الذي رفض أبرز حزبين فيه فكرة الإقليمين في الوقت الذي صار الحزب يعد ذلك مؤامرة ضده(!) وطعنة في ظهره(!) ودليل عدم الجدية في حل القضية الجنوبية كما يفهمها هو بالطبع! من نافلة القول إن اللقاء المشترك ليس بقرة مقدسة (على حد التعبير الشائع للدكتور ياسين)، وانتهاء دوره أو تغيير أطراف تحالفاته أمر وارد بطبيعة العمل السياسي، ولن يشكل بالضرورة نكسة لأحد ولا كارثة كما قد يتوقع البعض، وحتى لو قيل إن المقام لم يكن مناسبا للتلويح بانتهاء فوائد المشترك عمليا، وان الإعلان افتقر للمسة وفاء؛ ولا سيما أنه ليس دقيقا القول إنه لم تعد هناك قضايا مشتركة فكل ما جمع أحزاب المشترك ما يزال يفرض الحاجة إليه، وربما الذي تغير هو القناعات بأهمية تلك القضايا وجدوى التحالف حولها! ورغم كل ذلك فسيبقى اللقاء المشترك تجربة رائدة بمبادئه السامية ومحلا للعبرة بإيجابياته وسلبياته، ونجاحاته وإخفاقاته التي كان أبرزها في رأينا هو الانقلاب الناعم على جوهر التحالف الذي كان يهدف إلى إصلاح المنظومة السياسية والانتخابية كأساس لعملية الإصلاح الشامل في الوطن اليمني.. فهذه كانت نقطة بداية الهرولة في الطريق الخطأ الذي تجلى في تأييد معظم أطراف المشترك لانقلاب الثورة المضادة في مصر ضد السلطة المنتخبة بحرية ونزاهة لصالح الثورة المضادة التي قام بها فلول نظام حسني مبارك بالاشتراك مع بعض قوى اللقاء المشترك المصري! وانسجامها مع مؤامرة استهداف الإسلاميين في كل بلدان الربيع العربي! من الصعب الحديث عن سلبيات "المشتركيين" ولا نقول اللقاء المشترك دون التطرق إلى بعضها التي عاينها كثيرون بحسرة، وخاصة عندما اقتحم الحوثيون صنعاء، ومقرات الإصلاح، ومنازل كوادره، ومؤسساته الخيرية والعلمية والتعليمية والإعلامية.. فقد فتح البعص صفحات جرائدهم للتشفي النذل، وتظاهروا بالموضوعية وهم ينصحون الإصلاحيين أن يعتبروا بما حصل لهم وكأن ما حصل ظاهرة طبيعية كالمطر والليل والنهار ولا تستحق أن يؤجلوا الشماتة إن لم يجدوا أن الواجب هو إدانة الأعمال الخارجة عن القانون! والمحترمون منهم صمتوا وبلعوا ألسنتهم، وقلة قليلة شجاعة أدانت وأحيانا في الوقت الضائع.. كأن الإصلاحيين ليسوا حلفاءهم ولا كانوا معهم في الساحات والمواجهات مع أجهزة القمع.. ولا كانوا الطرف الذي قدم أكبر عدد من الشهداء والجرحى والتضحيات من كل نوع! وما يزال البعض حتى الآن يتحدث بفجور عن الإصلاح الذي ركب الثورة وسرقها، وفرض التوقيع على المبادرة الخليجية على حلفائه، وأراد الوصاية على الدولة.. الدولة التي لولا تضحيات مئات من شهداء الإصلاح وآلاف من جرحاه، وجهود آلاف من شبابه الذين حموهم من غضب قوات علي صالح؛ لما حلموا أن يدخلوا مبنى وزارة ليديروها وينعموا بدولاراتها وسفرياتها، ومئات وظائفها التي وزعوها على أتباعهم دون أن يغضب إصلاحي، وهم الذين يعزفون مع النظام السابق ألحان الكراهية والحقد على حلفائهم إن تعين إصلاحي هنا أو هناك! سيأتي يوم (عندما تقتنع قيادة الإصلاح بخيانة بعض حلفائها في المشترك) نتحدث فيه عن الوزير المشتركي الذي لم يكن يدع اجتماعا مع وفد أجنبي إلا وبكى بين أيديهم وشكا من خطورة الإصلاح على الدولة المدنية وحرض ضده! وسيأتي اليوم التي تنشر فيه مئات الوثائق عن الغنائم التي حصلوا عليها من حكومة الوفاق التي طعنوها في الظهر وشرشحوا بها في كل مكان وخصوا بالطعن وزارات الإصلاح ووزرائه؛ لأن حقدهم وشيطانهم المؤتمري أقنعهم أنها حكومة الإصلاح وكتبوها في صحفهم الرسمية دون حياء من مشاركتهم فيها وتقلبهم في نعيمها! ويوما ما سنعرف من هي القوى المشتركية التي ساندت الحوثيين في السر؛ وسكتت عن كل أفعاله من دماج إلى عمران؛ لإفشال تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وخاصة تلك التي جاءت على غير هوى أوهامهم وأحلامهم! الحق أقول لكم: لقد عرفنا في تاريخ تحالفات الإصلاح خيانات وغدرا ممن أدرنا ظهورنا لهم لنحميهم؛ لكن مثل هذا الغدر، والحقد، والتشفي التي تصدر عن بعض قوى اللقاء المشترك لم نرها بهذا الفجور! وهو نفس ما حدث في مصر عندما تسابقت القوى اليسارية والليبرالية الحليفة إلى الانبطاح تحت أحذية العسكر والتحالف معها ضد الإسلاميين بنفس المبررات التي روجها أمثالهم في اليمن، والتحريض ضد دمائهم وأعراضهم، بل وتحذير العسكر من أي تهاون معهم والتفكير في أي حل سلمي! قطعا لا ينفي كل ما قلنا أن هناك رجالا يعرفون معنى التحالف والصداقة، ويعرفون حدود كل شيء، ولولا قداسة المجالس والرسائل الشخصية لنشرت بعضا مما وردني منهم وهم يستنكرون أفعال زملائهم وبجاحتهم، وخيانتهم لحلفاء الضراء والموت والدم في ساحات الثورة والتغيير!