لا مصاب أنكى على قلب الأم من فقد وليدها، ولا أشد حملاً على ظهر أب أن يرى فلذة كبده خلف سياج حديدي، ولا أقسى على رفقة من ساعات انتظار صديقهم؛ ذهب ولم يعد. "هشام ورو" حكاية ماتت لتبعث من جديد، حكاية رواها العابرون أن طفلاً خطفه مسلحون حوثيون في مدينة الحديدة ولليوم الخامس على التوالي لم يفرجوا عنه، فيما ظل والده هشام هادي وأسرته يأملون عودته.
"هاشم هشام ورو" (15 عاماً) خطفه مسلحو جماعة الحوثيين من سيارة والده بائع الكُتب والمالك لمكتبة زبيد العامة ورئيس اللجنة التحضيرية لملتقى أدباء تهامة.
يروي «هشام ورو» أب «هاشم» القصة الكاملة ل«المصدر أونلاين»، فالجماعة المدججة بالسلاح تمارس إذلال الناس أكثر مما ينبغي في مجتمع بدأ يقيس عالمه بالمسافة بين أزيز الرصاص وطلقات المدافع بدلاً عن لقمة العيش وابتسامة متسامحة.
يقول «هشام»: «تعرض ابني هاشم لاختطاف الأسبوع الماضي في مدينة زبيد، وكان الاختطاف إثر نزاع شخصي، ولمّا أُفرج عنه بساعات، ارتأيت أن أذهب به لمدينة الحديدة لعلاجه، وقدمنا بلاغاً للبحث الجنائي في المدينة».
يضيف «تفاجأت بأن إدارة البحث الجنائي في المدينة أحالت ملف الاختطاف إلى مسلحي جماعة الحوثيين في المدينة؛ على الرغم من أن الواقعة لم تشر إليهم من قريب أو بعيد. في الساعة العاشرة منتصف الليل، كنا في أحد المطاعم بعد خروجنا من مستشفى الأمل، وبينما كُنا نستعد للسفر إلى زبيد بسيارتي الشخصية، حينها تفاجأت بعربة (طقم) تابعة للمسلحين الحوثيين تدخل علينا، أبلغونا تحيات قائدهم الميداني أبو ثابت، وأصروا علينا أن نلتقي به في مكتبه».
حاول هشام التملص من اللقاء الذي فرضه المسلحون، غير أنه رضخ للأمر ورافقهم إلى مكتب الجماعة في الحي السياسي بالمدينة، هناك صعد إلى الطابق الثاني على أن يعود بعد دقائق محدودة لابنه هاشم الذي بقي في سيارته بالقرب من المقر.
يتابع «حين عدت تفاجأت باختفاء ابني، شعرت بالخوف وظللت أبحث عنه، كنت اتخبط ولا أدري ما الذي أفعله، وحين سألت آخرين، قالوا إن الطقم الذي كان يرافقنا أخذ هاشم واقتاده نحو منطقة مجهولة».
نحو الساعة الرابعة فجراً، رن هاتف «هشام» وكان المتحدث على الجهة الأخرى يخبره بأن ابنه «هاشم» لدى مسلحي الجماعة، وأنه يخضع للاستجواب والتحقيق حول واقعة اختطافه الأولى، قال له - أيضاً - بإمكانك أن تقابله.
عاد «هشام» مجدداً لمقر الجماعة، وجد ابنه الحدث في حال سيّئة وكان يرتجف بشدة ولا يكاد ينطق، حاول طمأنته وبأنه جاء ليأخذه، بيد أن المسلحين قالوا إن «هاشم» سيخضع لمزيد من الاستجوابات والتحقيق.
«عدت إلى زبيد بدون هاشم، وحاولت أن أخفي الأمر على زوجتي وأسرتي، غير أنني لم استطع، وحين أخبرتهم بالأمر، انهارت أم هاشم، وكان الأمر صعباً أن تتحمّله أسرتي»، يضيف «هشام».
كان «هشام ورو» من المناهضين لجماعة الحوثيين قبل سيطرتهم على مدينة زبيد، وحرص مع عددٍ من قيادات السلطة المحلية على اتخاذ موقف معارض لسلوك الجماعة التي سيطرت على المدينة وعلى قلعتها الأثرية وكلية التربية.
يفسر «هشام» استمرار اختطاف نجله بمحاولة المسلحين تركيعه وإرغامه وآخرين على القبول بهم كأمر واقع، وإشعاراً لمن يرفض ذلك أن مصيره سيكون موازياً لمصير «هشام ورو».
حاول «هشام» الاستنجاد بالمحافظ الجديد المقرّب من الجماعة حسن هيج، بيد أنه قال له «لن استطيع أن أعمل لك شيئاً لكنني سأحاول».
واحتشد أهالي زبيد، الأحد، لتنظيم مظاهرة احتجاجية ضد اختطاف «الفتى ورو»، لكن الأب منعهم من ذلك خشية أن يتعرّض ابنه لمزيد من التنكيل والتعذيب.
شكا هشام ل«المصدر أونلاين» غطرسة الجماعة المدججة بالسلاح، ابتهل إلى الله بصوت متحشرج «لعلّ الله أن يستجيب لنداءاتي ويفك قيد هاشم».