ذُيلت لوحات عملاقة نُصبت على نواصي الشوارع الرئيسية ب«مع تحيات أمانة العاصمة»، كانت اللوحات تروّج لإحياء المولد النبوي، تبدو السلطات المحلية للعاصمة صنعاء راعياً رئيسياً للاحتفاء الدِّيني المصبوغ بلون سياسي. خلال الأسبوع الماضي والجاري، عكفت جماعة الحوثيين على تحضير مكثف لمهرجانات عدّة على شرف الاحتفال بالمناسبة الدينية، التي ستبلغ ذروتها السبت القادم بما يوافق ميلاد «سيدنا محمد» الثاني عشر من ربيع الأول.
موسم أخضر لجماعة عودها أخضر، وكانون الثاني اصطبغ بالأخضر على رغم قتامة أيلوله الأسود، والعاصمة صنعاء في تاريخها الحديث اصطبغت - كذلك - بالأخضر، والأخضر وسم لمظاهر احتفاء الجماعة بالمناسبات الدينية.
المولد النبوي، عاشوراء، جمعة رجب، يوم القدس العالمي، يوم الغدير، ليلة النصف من شعبان، مناسبات دينية درجت جماعة الحوثيين المسلحة على استنساخ بعضها من التقاليد الدِّينية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
أضفت الجماعة لتلك المناسبات بُعداً سياسياً وطائفياً، وفرضت على عديد من السكان في القرى والبلدات الاحتفاء الفعلي كمظهر من مظاهر الانتماء للجماعة. لم يقفْ الأمر عند ذلك الحد، بل أقرّت الجماعة فرض إتاوات مالية على شركات حكومية لرعاية الاحتفاء.
أقرّت الجماعة على شركة الاتصالات الحكومية «يمن موبايل» دفع ثلاثة ملايين ريال تُقدّم إلى لجان خصصتها الجماعة للتنظيم والإعداد، تُخصص تلك الأموال لتغطية النفقات التنظيمية والترويجية، طبقاً لإفادة مصدر في الشركة.
وفرضت اللجنة على الشركة طباعة ثلاث لوحات عملاقة، ونصبها في الشوارع الرئيسية كإبداء حُسن نية مع الجماعة، كانت الشركة مجبرة، فمسلحو الجماعة يرابطون على أبوابها.
يضيف المصدر «على الرغم من أن الشركة لا ترعى أو تدعم مثل هذه الأنشطة ذات الصبغة السياسية إلا أن واقع الحال يفرض علينا ذلك».
كانت الجماعة معفية - أيضاً - من سداد رسوم استئجار أعمدة عرض اللوحات لمصلحة المنشآت والطّرق، فالشركات التجارية الراغبة في الإعلان تدفع مقابل ذلك بالعُملة الصعبة، غير أن كل صعب يُسهل أمام الجماعة المسلحة.
ونقل موقع «أنصار الله» الناطق باسم جماعة الحوثيين على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، عن مدير شركة تسويقية، إن الحملة الإعلانية أطلقتها جماعة الحوثيين بالشراكة مع سلطات أمانة العاصمة.
وقال «هذه الذكرى تأتي في الوقت الذي ينشغل فيه الجميع خلف الصراعات السياسية والإعلانات التجارية، بينما هذه الحملة المربحة تأتي لتوحيد الصف والاقتداء بالرسول الأعظم».
وعلى الرغم من أن جميع اليمنيين بأطيافهم السياسية والاجتماعية المختلفة يحتفلون بميلاد النبي «محمد»، إلا أن المبالغة في الاحتفال اقتصر على الجماعة التي تدّعي أحقيتها القُدسية في مُمارسة الحُكم، والصفوة الإجبارية المكنونة من السماء كأحفاد للنبي.
وأفرد فرط الجماعة في التحضيرات للاحتفال - طلاء المركبات والشوارع الرئيسية والأحياء العامة باللون الأخضر والأبيض - سطوة سياسية وتضخيماً وهمياً لحضور أنصارها في المدينة التي باتت تشكل الشعب اليمني بكل تنوّعه المذهبي والجغرافي.
هذا الإفراط في مظاهر الاحتفاء لم يكلّف الجماعة أموالاً كثيرة، فهي تكرر ما تفعله في معقلها بمدينة صعدة.
في كل مناسبة دينية، تحصد الجماعة - التي تعد اليوم سلطة الأمر الواقع - من المؤسسات في القطاع الحكومي والخاص والتجار والأهالي ملايين الريالات، جُزء يسير منه يذهب لنشاطها الإعلاني والترويجي.
وفيما يذهب أنصارها إلى التبرع بالأموال لمؤسساتها تخرج الجماعة بفائض من المال، فضلاً عن حضورها السياسي والاجتماعي.
تنظم الجماعة في العاصمة صنعاء ومُدن وبلدات يمنية فعاليات سياسية وثقافية ودينية، تقول إن تلك الفعاليات «تُسلح المجتمع بأهم الأسلحة الإيمانية في مواجهة مساعي الأعداء لطمس معالم الإسلام وفصل أبنائه عن أعلامهم ومقدساتهم الدينية».
وأمس الاثنين؛ نظّمت مؤسسة الإمام زيد بن علي فعالية شعرية شارك فيها العديد من الشعراء والأدباء والأكاديميين وعدد من مناصري الجماعة، في نهاية الفعالية كرّمت المؤسسة بعض الحضور، قالت إنها مُقدَّمة من مؤسسة الإمام الهادي.
وتنشط مؤسسات الجماعة في العاصمة صنعاء في جمع التبرعات، وتحث المواطنين عبر مناشير ورقية بشراء قماش ذي لونين أخضر وأبيض، وخياطته كقصاصات مترابطة ونشرها بالقرب من المنازل.
ودعت مُلاك المتاجر إلى طلاء أبواب متاجرهم باللون الأخضر، وكتابة شعارات للمولد النبوي في أماكن بارزة، بالإضافة إلى التبرّع بالأشياء العينية والمادية للجنة التنظيمية المعنية بالاحتفال.
وفي خضم تحضيرات الاحتفال، السبت القادم، استغلت الجماعة وسائل الإعلام الحكومي المقروءة والمسموعة والمرئية لتقديم رسالة إعلامية موجّهة للرأي العام بما يخالف النهج المسؤول للإعلام الحكومي الذي يقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف السياسية والاجتماعية والدينية.
وشرعت في صناعة فلاشات إعلامية تبث على التلفزيون الحكومي، ويظهر من خلالها قيادات الجماعة وأنصارها بحث اليمنيين على الاحتفال بالمولد النبوي وحصره على فئة دينية وسياسية معينة.
إلى ذلك، وجّهت الجماعة مديري إدارات المدارس الحكومية بتضمين شعارات المولد النبوي التي ترددها الجماعة في برامج الإذاعات المدرسية، وخصصت فقرات معينة ذات توجه سياسي.