في التحرير صباحاً (بعد انفجار كلية الشرطة) وقفت أمام حافلة نقل ووجهت سؤالاً لركابها: هل يضمن أحد منكم حياته إلى ما بعد قليل؟ رد الجميع "لا" بتفاعل منقطع وكل يسبّب لجوابه. الجواب ملخص بسيط للحياة اليمنية اليومية المضطربة القلقة والسؤال صار هاجساً ملازماً لكل فرد، رجل وامرأة، طفل وشيخ، لا أحد في مأمن، من يسير في الشارع أو في الحي وحتى من يدخل منزله، صار الخوف لغة الجميع المشتركة.
يعجز الكل عن الإجابة على سؤال: "إلى أين نمضي؟" سؤال كبير بحجم الوطن اللاهث وراء لحظة أمن وأمان، ينعم فيها أبناؤه براحة بال واستقرار وسكينة، يأمن فيها على نفسه وماله وعرضه، سؤال يعجز عن الإجابة عنه حتى أصحاب القرار ومن ربطوا مصير اليمن بمصالحهم من سياسيين وحوثة وقاعدة وأحزاب، حتى أمريكا وإيران والسعودية والإمارات وعُمان لاعب الوسط! فأنى للمواطن الحائر أن يجيب عنه!
ركبت سيارة أجرة، كان السائق كثير الالتفات نحوي، تبدو عليه علامات القلق، بادلته الشعور نفسه، مضيفاً: طبيعة الوضع تستدعي الخوف، أنا ينتابني خوف منك، يخافني سائق الدراجة النارية وأخافه أيضاً. كلنا يسير في الشوارع بانتظار لحظة اشتباك ناري، أو انفجار عبوة، حتى سكان البيوت في بيوتهم غير آمنين.
صديقي عادل استوقفه شرطي مرور للركوب معه، لاحظ صديقي انتفاخاً تحت قميص الشرطي، بتلقائية يده تقبض على بطن الشرطي، لقد اعتقد وجود حزام ناسف.
محامٍ غادر زوجته صباحاً حتى الليل ولم يعد، الزوجة أعلنت حالة طوارئ، اتصلت بكل أصدقائه وأقربائه ومعارفه باحثة عن زوجها الذي أغلق جواله باكراً تجنباً للازعاج، الكل يتصل للآخر بحثاً عنه، الى حين ظهوره الحادية عشرة ليلاً، المسكينة من تالي يوم وهي تقف على سطح منزلها يومياً في قلب الليل والبرد وسط مدينة شاسعة بعينين ترمقان الشوارع بانتظار زوجها الذي يستدعي عمله البقاء في مكتبه... هذه نماذج تعكس حالة عامة من القلق الناتج عن الفوضى العارمة التي تلف الوطن وأظن أن كل بيت يعيش المعاناة نفسها.
القاتل في معايير الأديان والبشر قاتل لا فرق مهما اختلفت التسميات أو تدثرت بالدين والثورة والأخلاق، فالعباءات المتدثرة بالإجرام لا تنتج سوى الإجرام، كلها تتربص بالحياة، حتى صارت الحياة بلا معنى ولا تأتي بغير رائحة الموت الذي يجيء بالمجان دون رواج أو دعاية وإعلان سابق لحضوره.
الشعب يعيش العبوس واليأس، فقد أمله بكل شيء، في الظهيرة بمحاذاة شارع كلية الشرطة، مواطن يأتيه اتصال يرد بتضجر (بعد حوار بدا كأنه يجيب عن سؤال): " الضحايا مجموعة طلاب أبرياء، الشعب يقف وسطاً بين رافضي وتكفيري". ما يحمل القتلة -أياً كانوا- على القتل؟ أي قلوب يحملون؟ أي فكر ينتهجون؟ أين الأخلاق؟ كيف استوطنتهم روح الكراهية والحقد؟ ألا يكفي أننا وطن بعثره الجهل؟ العالم يسارع نحو البناء والتقدم ونحن نسارع للهدم!