الوجه الجميل للحوثية التي رسمته وسائل إعلامها كمخلص للشعب من فساد المحاصصة والتوظيف الحزبي للوظيفة العامة والمحسوبية والوساطة صار قبيحا ومشئوما بعد انتفاشتهم وسيطرتهم على مفاصل أجهزة الدولة. الزهد الذي قدمته على أطباق من ذهب كي تصعد على أكتاف البسطاء انقلب جشعا بلا حدود لمجرد الوصول الى السلطة، فباسم الشرعية الثورية يشرعنون لأنفسهم الغاء الآخر وتعيين بدائل حوثية لا تحمل شروط الكفاءة ومعيار النزاهة والانتماء للوطن، وإنما معايير الانتماء للسيد والسلالة بشكل خاص وتناسي أنصارهم من غير السلالة، وهذا ما لوحظ في العاصمة والمحافظات المسيطر عليها.
أبقوا على الرئيس هادي منذ 21 سبتمبر ليكون بمثابة المحلّل في اصدار قرارات التعيينات التي تخدم الحوثية، ومع زيادة الضغط عليه انفجر ولم يعد قادرا على الاحتمال ولمجرد رفضه مطالبهم المقدمة من تحت الطاولة حصروا مطالبهم بأربع نقاط وضعوها فوق الطاولة ليظهروا أمام الشعب كمدافع عن حقوقه وسيادته وأن جماعتهم ما تزال المخلص والمبعوث الإلهي له.
المطالب المقدمة لم تكن مجرد مطالب عادية فهي تحمل في فحواها معنى السيطرة الشاملة على الحياة وليس الدولة فقط كما تحمل معنى الإقصاء للآخر في أبشع صورة، وإلا ماذا تعني رغبتهم الجامحة والملحة وإصرارهم على فرض شخصياتهم في مناصب عليا وسيادية والمعدودة بالمئات في عموم الوزارات والهيئات، بحيث لم تترك فرصة للشركاء في السلطات إلا القليل، وليس من معنى دال على هذه النزعة سوى السيطرة الشاملة على مفاصل الدولة وإقصاء للآخر.
إقصاء الآخر تعني المواطن مباشرة قبل الوزير والنائب والسفير والضابط والرئيس، فالمواطن الى الآن لم يدخل بعد في مربع اهتمام الحوثي في جوانب التوظيف والترفيع والإلحاق بالكليات العسكرية والتعيينات في المناصب العليا؛ إذ المواطن الحقيقي في أجندته هو المنتمي للحوثية فقط لذا شملت قائمئة بالخمسين الألف شخص المقدمة للرئيس لإلحاقها في مؤسستي الجيش والأمن أسماء حوثية صرفة.
قبل أن يصل الحوثي الى انقلاب 21 سبتمبر كان يتباكى على إقصاء المواطن من الوظيفة العامة ومن مساوئ المحاصصة وترقيع أفراد أحزاب حكومة الوفاق الوطني وخاصة منها الإصلاح، إلا أن تقديمه أسماء حوثية خالصة للتوظيف كشف استخدامه للمواطن كشماعة يبني عليها أهداف وصوله وتمكينه في وطن يتسع له ولفئته يضيق بغيره في خطوة تطهير تسعى لحوثنة المناصب وأجهزة الدولة العسكرية والإدارية قد تصل الحوثية يوما إلى ضرورة حوثنة الدين.
الى الآن – ربما- حسنة الحوثي الوحيدة أنه حسّن من صورة الاصلاح وعلي محسن أمام الشارع اللذين غذتهما وسائل الإعلام المضادة بالكراهية والحقد مع تحويلهما الى شر مطلق، اليوم الشارع يرى في الاصلاح رحمة أمام جشع واستبداد الحوثية المتلبسة رداء الثورة.