الحوثيون يكتبون نهاياتهم السريعة بأيديهم، هكذا يمكن التنبؤ بمستقبلهم من خلال قراء واقعهم الذي فرضوه منذ 21 سبتمبر بعد سيطرتهم على العاصمة وعدد من محافظات ومديريات الجمهورية. قبل 52 عاما قامت ثورة 26 سبتمبر بقلة من الرجال ضاقوا ذرعا بالتخلف الذي فرضته المذهبية الطائفية التي كان يتبناها الحكم الإمامي المستبد في شمال اليمن، حينها لم تكن غالبية الشعب مع الثوار والتغيير بقدر نصرتهم المطلقة للإمام كناتج طبيعي للجهل الذي كان نتاجا إماميا، أما اليوم وقد ساد الوعي وعمّ التعليم غالبية الشعب، فقد بات من رابع المستحيلات التراجع عن كثير من القيم والأحلام الطموحة لليمنيين خاصة منها ما يتعلق بقيم الحرية، وحلم الدولة المدنية ورفض العودة إلى الخلف.
المبادئ والأساسات العقدية التي تقوم عليها الدعوة الحوثية الشيعية تتناقض ببساطة مع الأحلام الطموحة لليمنيين في جوانب كثيرة فهي من جانب لن تؤسس لدولة مدنية إذ أن أبسط قواعد الدولة المدنية تتناقض مع عقيدة الولاء للسيد كونه صاحب ولاية وحق إلهي مقدس أولا ومرجعية ثانيا لا يمكن تجاوزه بحال، وعليه تصبح المطالب بالحقوق المدنية للفرد أو الجماعة والشعب عموما في مبدأ الولاء لسلالة السيد نوع من العبث والفوضى وتجاوز للمقدس الديني التاريخي والذي ينادي به مع كل مناسبة غدير، وبالتالي لا يمكن قيام دولة مدنية تتناقض والمبادئ العقدية لمسيرة الجماعة الطائفية، ومن جانب آخر فإن الحرية تتناقض ومزعوم المرجع المقدس، إذ لا يمكن إطلاق حرية تتصادم وحقوق المرجع، فما يعتقده الموالون الحوثيون في الباطن يظهر صداه في الواقع، فالحقوق والحريات التي يحلم بها غالبية الشعب تلاقي في حقبتهم انتكاسات شديدة رغم قصر الفترة التي سادوها، وهاهي المنظمات الحقوقية تقيد أكثر من 1500 حالة انتهاك في جانب الحريات الصحفية والإعلامية فكيف بالجوانب الأخرى.
وكنتيجة من نتائج العقدة التاريخية للرؤية الأحادية في الحق الإلهي المطلق فإن رؤيتهم تنطلق من ضرورة الخلاص من الآخر وليس تنحيته فقط وهذه الرؤية ولدت روح الكراهية لمن سواهم باعتبارهم خارج إطار عقيدتهم التي يؤمنون، وعلى ذلك لا يملكون قدرة على التعايش مع الآخر حتى المحسوبين على الزيدية المعتدلة ناهيك عن السنة أو التوجهات اليمينية أو اليسارية، وهذا ما جعلهم معزولون اجتماعيا لا يحظون بقبول.
أضف الى ذلك فإن للإعمال الانتقامية المثيرة للاشمئزاز التي تجري هنا وهناك ضد الخصوم لابد وأن تترك أثرا عواقبه إن لم تأتِ في الحال فإن حدوثها ليس بمحال، والنقم قد تجاوزت الخصوم الى الحلفاء، وأعتقد أن كيل صالح وأعوانه قد طفح فكثير من قيادات المؤتمر وأعمدة صالح بدؤوا يتكبدون ويلات الغطرسة والتعالي الحوثي وقد ينقلب السحر على الساحر والمؤشرات تقول بأن الوضع قاب قوسين أو أدنى من ذلك.
شعارات محاربة الفساد تملأ فضاء وسائل إعلام الحوثي، في محاولة لبعث الأمل المفقود، والذي مازال مفقودا رغم الهالة التي تحيط الجماعة بها نفسها، فأدعياء محاربة الفساد اليوم هم من يحمي رأس الفساد صالح وعائلته وكبار معاونيه، فهم يعملون وفق معايير ازدواجية تكيل بمكيالين ولا تنم عن مصداقية وشفافية التوجه الحوثي في هذا المسار أو عن توجه ثوري حقيقي للتغيير بقدر ما توحي للشارع بانطباع انتقامي من قبل طرف لحساب طرف ضد طرف.
زد على ذلك أن تدخلات وتطفل الحوثية على صلاحيات الرئيس هادي ورئيس الوزراء، بعزل قيادات عدد من المؤسسات والمحافظات قد تضيق خيارات الرئيس وتخلق أزمة بينية بدأت معالمها تتكشف في تعيين عبد الله خيران رئيسا لهيئة الاركان وهو ما استدعى حشد قوى الطرفين للمواجهة وقوادم الأيام كفيلة بافتراق حقيقي لتحالف الرئاسة الحوثي، المشكلة في الازمة بالنسبة للحوثية ليست في إبعاد الاشول عن هيئة الأركان ويبدو أنهم كانوا ينتظرون تعيين قنديلا في هذا المنصب الرفيع، فهم بالطبع عمدوا في كافة المرافق إلى أن تكون التعيينات البديلة من فئة القناديل دون الزنابيل في الغالب عملا بالمثل الشعبي "البقرة لا يحلبها إلا سيدنا" لهذا كانت تعييناتهم تذهب جزما للآل، وهذا شيء ملفت ومثير للحساسية لدى المجتمع الذي بدا يلامس سيطرة فئة بأسمائها وألقابها على مفاصل كبيرة في الدولة بمعني أنهم يذهبون في تعييناتهم إلى تغييب الكفاءات اللا منتمية للسلالة.
شيء من الحذاقة والخوف من الاحتراق السريع أمام الشعب - وليس زهدا – تجنب الحوثيون المشاركة في الحكومة الحالية، لكنهم مع سيطرتهم وانتشارهم في أكثر من محافظة ومديرية شكلوا بتلقائية لجان مظالم عملت على تهميش السلطات الحكومية وعطلت جهات الضبط القضائي من إدارات أمن وأقسام شرطية وحلت نفسها محل المحاكم أيضا وعطلت القانون وسادت بذلك أعراف ارتجالية صرفة صيرتها من يضبط ويقضي، فسادت العشوائية في الأحكام وزاد الطين بلة قلة خبرة الخبرة في إدارة القضايا وجهلهم بالقوانين لذا تصبح البندقية والرصاصة محل التنفيذ للقضايا حال رفض المواطن لحكمهم حتى وإن كان مظلوما، لقد كان تشكيل لجان المظالم بالنسبة لكثير من المواطنين بمثابة بالونة لاختبار قدرة جماعة المسيرة في الحكم والتزامها بالنظام والقانون ومنظار لرؤية مستقبل قيادتها البلد، فإذا بها تشرعن لحكم الغاب وتدوس على النظام والقانون وهو ما ذكر بفترة بمرحلة الجبهة الوطنية في ثمانينات القرن العشرين في المناطق الوسطى التي تعاملت بنفس أسلوب ونسق الحوثية الارتجالي في إصدار الأحكام والاعتماد على القوة في تنفيذها، كل ذلك أعطى انطباعا عاما سيئا عن الجماعة التى فرت بذكاء من محرقة المشاركة في الحكومة لتقع في مصيدة محرقة لجان المظالم عديمة الخبرة ومما زاد الطين بلة أيضا تعاون كثير من الفاسدين الحلفاء في إدارة الأمور وهو ما وصمها بإدارة الفساد.
وبغض النظر عما سلف فإن الوعي السياسي الجمعي للمواطنين اليمنيين جعلهم يدركون بالسليقة حتميات الأشياء ومآلاتها، فالحوثية البريئة في صعدة ذات الشعارات البراقة لم تعد كذلك في نظر الشعب بعد الانقلاب من منهزم في دماج أمام قلة الى منتصر مسنود بإرادة أمريكية إيرانية خليجية وداخلية، تتمدد في عمران وتسقط العاصمة صنعاء وتذهب بعيدا الى المحافظات والمديريات في اقصى سرعة قياسية للسيطرة، بل وتحتمي بالطائرات الأمريكية في مواجهة القاعدة وتحمي السفارة الأمريكية ومعاهدها دون أن تمس شعرة أمريكي واحد خلافا لشعارها الخلاب، وهو ما افقد المواطن المصداقية بالحركة وهو الذي بات يرى أنها إنما تتحرك وفقا لإرادة خارجية صرفة وليس من واجب وطني محض بحيث اصبحت اداة تنفيذ لمؤامرة ضحيتها الوطن.
كل يوم والتاريخ يثبت ألا أحد يستفيد من دروس وأخطاء الآخرين، فالأخطاء التي ارتكبها من كانوا يديرون السلطة في السابق استغلتها الحوثية للتشنيع بهم فسخرت كامل إمكاناتها المادية والمعنوية وآلاتها الإعلامية للنيل منهم والتعريض بهم والقيام بمحاولات عديدة لإسقاطهم سياسيا ومعنويا أمام الجماهير إلا أن الحوثية وقعت في ذات الاخطاء، بل وارتكبت اخطاء افظع منها أفقدت المواطن الأمل بأي كان، والتجربة التاريخية تقول بأن الصعود السريع يلحقه سقوط سريع ومصير الحوثية سيكون ذلك السقوط المدوي في أقرب مستقبل غير بعيد، فمثل موجة الحوثي تاريخيا حصلت موجات كثيرة لكنها سرعان ما زالت بزوال سبب وجودها ويبقى ما هو طبيعي ومساير لطبائع البشر.
ما سبق غيض من فيض وأسباب تهيئ طبيعيا لتراجع منتظر في شعبية الحوثية وقد يكون سقوطها نهائيا، فأنامل الحركة تخط نهاياتها والمقدمات تشي بالنتائج.