هل نكون صادقين إذا زعمنا أن الواقع السياسي اليمني يتفوق أخلاقياً على الرئيس هادي؟ أقصد الواقع الذي تصنعه النخب والأحزاب السياسية. فمنذ أن فرضت جماعة الحوثي الإقامة الجبرية على الرئيس هادي، بل وحتى منذ استيلائها على صنعاء وعمران، والانتهازية تتمدد بأسوأ صورها في مساحات الأداء السياسي اليمني. كم عدد الأحزاب والشخصيات الوطنية التي تصدرت الصفوف لمواجهة غرور الحوثي ومنعه من ابتلاع الدولة؟ وكم عدد ونسبة الأحزاب والشخصيات السياسية التي بدلت مواقفها وغيرت جلودها ورقصت على إيقاع إعلان الانقلابي، ثم هللت للبيان الرئاسي الصادر من عدن مؤخراً؟!
كانت معظم الأحزاب السياسية في "موفنبيك" على وشك التوقيع لصيغة سياسية تشرعن للانقلابيين، وتغطّي على كل جرائمهم، ومازالت على استعداد لفعل ذلك، وبدون أي مقابل لصالح الوطن أو حتى لصالحها!
هل يمتلك جمال بنعمر أوراق ضغط لا يعلمها اليمنيون، أجبرت تلك الأحزاب والشخصيات - التي كانت محترمة حتى وقت قريب- على الدوران في فلكه، والاكتفاء بدور "الترزية" الذين يفصلون الأغطية المناسبة لفضائح الحوثي المتتالية؟ أم أن الحوثي يجرب فيهم هوايات تحضير الجن والسحر، والبراشيم التي "تجلب الجن مربطين" فتجعلهم ينساقون بشكل مخزٍ ومذل لكل إملاءاته وشروطه؟!
النخبة السياسية الرديئة في اليمن لا يمكن أن تفرز رئيساً أفضل من الرئيس هادي، على الأقل في الفترة الراهنة؟ والدفاع عن الرئيس هادي اليوم، ليس لأنه تفوق سياسياً وأخلاقياً على النخب السياسية اليمنية، بل لأنه العتبة التي نعبر من خلالها إلى المستقبل، حتى وإن كانت عتبة مرتعشة، فالبديل هو القفز في الظلام الحوثي والاقتتال الأهلي.
لن نحصل اليوم أو غداً على رئيس يمني نستحقه إلا إذا تمكنا من محاصرة شلة الانتهازيين والوصوليين وفضحهم، حتى يتواروا عن الأنظار. ولن يحدث ذلك إلا إذا انتقلنا في اليمن من مرحلة "الصمت العام" إلى مرحلة "الرأي العام" الذي يحسب له السياسيون ألف حساب.
كان شباب 11 فبراير قد نجحوا جزئياً في تحفيز قدر من الحياة والعافية فيما يشبه "رأي عام يمني" يمكن أن يكون مؤثراً مع تراكم خبرة في الأداء والضغط من خلال أساليب مقاومة مبدعة وخلاقة أسهم فيها عدد من الكتّاب والصحافيين والناشطين الحقوقيين، إلا أن وباء الانتهازية والوصولية ينجح دائماً في التمدد ويزدهر في الأجواء القمعية التي تحلّ فيها الميليشيا محل الدولة، وحينها لا يمكن أن ننتظر نخبة سياسية ولا رئيساً يعمل من أجل الوطن.