عندما أطلق الحكم ميخوتو غونزاليس صفارته معلناً نهاية المبارة التي جمعت ريال مدريد وبرشلونة مساء أمس على ملعب السنتياغو برنابيو بالعاصمة الأسبانية مدريد، كانت العاصمة اليمنية صنعاء تعج بعد منتصف ليل أمس بالضوضاء على غير عادتها في مثل هذا الوقت في سائر الليالي. إذ تعالت أصوات المشجعين اليمنيين لكلا الفريقين في فضاء المدينة بعد خروجهم من المقاهي والاستراحات والمنتديات، التي لجأوا إليها لمتابعة الدوري الأسباني الذي يبث حصرياً على قنوات الجزيرة الرياضية "المشفرة"، ولا يمتلك غالبية اليمنيون في منازلهم اشتراكات لمشاهدة بث تلك القنوات التي يصل قيمتها إلى أكثر من 100 دولار.
وباتت المقاهي العامة هي الملاذ لعشاق الرياضة في اليمن، حيث لا يدفع الشخص الواحد سوى أقل من دولاراً واحداً ثمناً لمشاهدة المباراة الواحدة.
وتسبب مشجعو الفريقين بصنعاء مساء أمس، وعقب المباراة التي انتهت بفوز برشلونة على نظيره الريال ب2 – صفر، في أزمة مواصلات، لكنها كانت فرصة ملائمة لسائقي التاكسي لرفع قيمة الأجرة، مستندين في ذلك إلى حاجة المشجعين لوسائل النقل، وكما أيضاً إلى ندرة الحصول على سيارات الأجرة ووسائل النقل العاملة في وقت متأخر من الليل.
غير أن الكثير من مشجعو برشلونة لم تكن أزمة المواصلات تمثل عائقاً بالنسبة لهم، فقد أنساهم الحديث عن الفوز الذي حققه فريقهم المفضل، تعب قطع الطريق مشياً على الأقدام وصولاً إلى منازلهم.
المثير للاهتمام، هو حدة التعصب الذي انتاب العديد من مشجعي الفريقين، وهو الأمر الذي كاد أن يصل في بعض الأحيان إلى نشوب اشتباكات بالأيدي بين الجانبين، فضلاً عن مشادات كلامية شهدتها تلك المقاهي والمنتديات التي اكتضت بالآلاف من متابعي ومحبي الرياضة.
ففي استراحة البدجي الكائنة في شارع الرباط مثلاً، تراشق المشجعون المنقسمون بين فريق برشلونة والريال، بقوارير المياه قبل انتهاء المباراة بقليل، وتحديداً حينما أحرز اللاعب بيدرو الهدف الثاني لفريقه برشلونه.
وفي حين عاد مشجعو ريال مدريد إلى منازلهم مثقلين بالحزن، كانت ملامح الفرح بادية على مشجعي برشلونة، وعبروا عن فرحتهم من خلال رفع أعلام الفريق على سياراتهم وترديد شعارات تشجيعية، تماماً كما يشجع الأسبان برشلونة.
يكاد الدوري الأوروبي أن يطغى على اهتمامات اليمنيين، وينتزعهم من أعماق الأوضاع التي تعيشها البلاد سياسياً، فالمفاجئة تكمن في أن هذا الاهتمام يزيد حتى عن الاهتمام بالدوري الرياضي اليمني نفسه، بل إن الأمر يصل بالكثير من المهووسين بمتابعة كرة القدم الأوروبية إلى حد عدم معرفتهم بأسماء الفرق الرياضية المحلية، وذلك يتناقض كلياً مع اطلاعهم الواسع عن الدوري الأسباني وتفاصيله. !.
حدوث مثل هذا في اليمن، ليس بالأمر المعتاد في بلد مهموم أبنائه بالسياسة ومتابعة تفاصيلها، أكثر منهم عشقاً للرياضة التي من الطبيعي أن تلقى اهتماماً منقطع النظير في بلد خليجي كالسعودية مثلاً. لكن على ما يبدو أن الإثارة والإعجاب التي استطاع لاعبو برشلونة صنعها قد وصل صداها إلى اليمن، لتزيد من عشاق الكرة المستديرة على حساب الاهتمام السياسي الطاغي لدى اليمنيين.
وبحسب الرئيس علي عبدالله صالح، فإن سر اهتمام اليمنيين بالسياسة يكمن في عدم امتلاكهم لشيء، على عكس السعوديين الذين يهتمون بمتابعة الرياضة والأسهم. حد قول الرئيس نفسه.
وأضاف الرئيس صالح في مقابلة صحفية مع جريدة سعودية قبل أكثر من شهر رداً على سؤال بشأن سر الحديث الدائم في اليمن عن السياسة أكثر منها في شيء آخر، قائلاً " لو كان هناك مال في اليمن لاشتغل الناس وراء مصالحهم لو أحد يعمل شركة أو يعمل تجارة ما كان أحد يتكلم في السياسة، لكن ما دام لا يوجد مال يتكلم في السياسة".
وتابع "يرى نفسه لا يوجد عنده شيء، فيبدأ يتكلم في السياسة يتكلم عن الفساد يتكلم عن كل شيء، أما في السعودية كل الناس منصرفون وراء مصالحهم وأحسن شيء هي أنهم يتابعون الرياضة والأسهم، أما اليمنى يحكي، لو عنده مال تجده في باريس، في مصر، في المغرب، في تونس، لو وجد المال ما وجد الكلام في السياسة".
قد يكون حديث الرئيس صالح فيه نوع من الدقة في هذا الشأن، لكن ومع هذا الزخم الذي أحدثته مباراة برشلونة والريال، يبقى التساؤل: هل بات اليمنيون أمام فرصة ملائمة لتوديع السياسة والإنصراف إلى متابعة الأسهم والرياضة؟!