تشجيع الفرق الأوربية الكبيرة مثل برشلونة وريال مدريد والميلان واليوفنتوس والارسنال والمان يونايتد وغيرها، لم يعد مقتصراً على رياضيي ومشجعي القارة العجوز، بل صار تشجيعاً جماهيرياً في العديد من دول العالم في القارات الأخرى. لكن تشجيع الفرق الأوربية في بلادنا وصل إلى درجة طغت على تشجيع الفرق المحلية، وأصبحت ظاهرة تستحق الوقوف عندها وقفة تأمل ودراسة لأسبابها وأبعادها وتأثيراتها.. كتب/ حسن البعداني هناك العديد من المشاهد المتعلقة بالتشجيع الرياضي في بلادنا والتي تشد الانظار إليها بصورة ملفتة.. نموذج التلال والأهلي في نهائي بطولة كأس الرئيس لكرة القدم الذي اقيم في صنعاء مؤخراً وجمع بين فريقي أهلي صنعاء وتلال عدن، كانت مدرجات استاد المريسي شبه فارغة سوى من بضع متفرجين ومشجعين لا يتجاوز عددهم الألف أو الألفين شخص. نموذج برشلونة والمان يونايتد نهائي دوري أبطال أوربا الذي أقيم في ايطاليا وجمع بين برشلونة الاسباني ومانشستر يونايتد الانجليزي، انتهى في ساعة متأخرة من الليل وتابعه عشرات أو مئات الآلاف في بلادنا عبر شاشات التلفزيون، ولما لم يسمح في العاصمة لمقدمي خدمة بث القنوات المشفرة عبر كابلات الفيديو، كما هو الحال في مدينتي عدن وإب مثلاً، فقد اضطر عشرات الآلاف من الرياضيين إلى متابعتها في المقاهي والاستراحات التي لديها كروت اشتراك في الباقات العربية المشفرة ونخص بالذكر هنا شبكة (A.R.T) المحتكرة لنقل دوري أبطال أوربا. مشجعون في منتصف الليل!! المباراة انتهت في منتصف الليل تقريباً واكتظت شوارع صنعاء بالشباب بعد انتهاء المباراة وخروجهم من المقاهي والاستراحات، ولم تكن هناك باصات أجرة بالعدد الكافي لأن الوقت كان متأخراً، فاضطر معظمهم إلى العودة إلى منازلهم سيراً على الاقدام. في اليمن أم في كاثلونيا أضف إلى ذلك أننا شاهدنا سيارات مشجعي برشلونة وقد تم رشها بالوان النادي الكاثلوني، وتجوب الشوارع والمشجعون يرفعون أعلام برشلونة فرحاًوابتهاجا بالفوز بكأس دوري أبطال أوربا. أجواء الدربي والكلاسيكو مباريات الدربي والكلاسيكو الأوربية مثل كلاسيكو برشلونة وريال مدريد وفي اسبانيا ودربي الميلان والانتر في ايطاليا وكلاسيكو المان يونايتد وليفربول في انجلترا، صارت محل اهتمام الرياضيين في بلادنا إلى درجة التعصب، حيث نجدهم في مثل هذه المباريات ينقسمون إلى قمسين، قسم يشجع فريقاً وقسم يشجع الفريق الآخر، وتبدأ "مراسيم" اطلاق جمل التحدي والسخرية من مشجعي كل فريق قبل المباراة، وتستمر عبارات الهجاء من مشجعي الفريق الفائز لمشجعي الفريق المهزوم لأيام وأسابيع بعد المباراة. لماذا؟ طرحنا فيما سبق مشهدين لواقع التشجيع الرياضي في بلادنا في مباراتين اخترناهما كنموذجين لنهائي كأس في مسابقة محلية ولنهائي كأس آخر في مسابقة أوربية، والسؤال المطروح هنا: لماذا لم يحضر في نهائي الأهلي والتلال سوى بضع مئات من المشجعين في الملعب، بينما حضر لمشاهدة نهائي المان يونايتد وبرشلونة عشرات الآلاف في المقاهي والاستراحات؟. النقل التلفزيوني قد يرجع البعض أسباب قلة الجمهور في الملعب في مباراة الأهلي والتلال كون المباراة منقولة فضائياً، وان معظم الرياضيين وبالأخص مشجعو الفريقين فضلوا متابعتها في منازلهم وعدم تحمل عناء الذهاب إلى استاد المريسي. قل للزمان ارجع!! وهنا نقول لأصحاب هذا الرأي بأن مباريات الأهلي والتلال تعتبر كلاسيكو الكرة اليمنية، كون الفريقين يمتلكان اكبر قاعدة جماهيرية في بلادنا، ونذكرهم بمباريات التلال والأهلي في السنوات الماضية والتي كان يحرص فيها مشجعو الفريقين على الحضور إلى الملعب للتشجيع حتى ولو تم نقل المباراة تلفزيونياً، ونذكرهم كيف كانت تكتظ مدرجات استاد المريسي بصنعاء وملعب الحبيشي بعدن بالمشجعين، وكان كل نادٍ يوفر وسائل نقل لمشجعيه إذا كانت المباراة على ملعب النادي الآخر، وكانت كل مباراة تشهد سفر آلاف المشجعين من صنعاء إلى عدن والعكس من اجل المؤازرة والتشجيع في الملعب. الأسباب باختصار والبحث في الأسباب قد يأخذ حيزاً كبيراً من الطرح لكننا هنا سنذكر اهمها وباختصار شديد.. تدني المستوى أول هذه الأسباب هو تدني مستوى الكرة اليمنية بشكل عام وتدني مستوى الأندية كرويا نتيجة اهمال ادارات الأندية في التعاقد مع المدربين الاكفاء، سواء كانوا محليين أو عرب أو اجانب. بيع وشراء!! أما السبب الثاني فيكمن في فقدان مباريات البطولات الكروية المحلية لمعيار التنافس الشريف، حيث شهدت بطولات الدوري والكأس خلال السنوات الأخيرة جملة من "الطبخات" وبيع وشراء ذمم اللاعبين والحكام دون ان يحرك الاتحاد العام لكرة القدم ساكناً لايقافها واتخاذ الاجراءات اللازمة للتحقيق مع المتهمين بالتورط في الرشاوى والتلاعب بالمباريات. اين روابط المشجعين؟ السبب الثالث يتلخص في عدم فاعلية روابط المشجعين في الأندية نتيجة اهمالها من قبل ادارات الأندية. لا لوم ولا عتاب في ظل تدني مستوى كروي ورشاوى وتلاعب بالمباريات واهمال لروابط المشجعين، هل ننتظر بعد ذلك ان تحظى مباريات بطولاتنا المحلية بالمتابعة الجماهيرية داخل الملاعب وخارجها؟. الأندية الأوربية البديل لقد وجد محبو كرة القدم في بلادنا في الأندية الأوربية البديل الانسب لهم للتشجيع والانتماء الرياضي، واختيار كل رياضي فريقا له ليشجعه ويتابع مبارياته واخبار نجومه وانتقل "الانتماء الرياضي" من الأندية المحلية إلى الأندية الأوربية. لا نعيب ولكن... نحن لا نعيب تشجيع الأندية الأوربية كون ذلك حاصلاً في العديد من الدول العربية ودول العالم لكن التشجيع هناك لا يتعدى الاعجاب إلى التعصب كما هو الحال عندنا.. هناك تجد البعض يشجع فريقا أوربيا مثل برشلونة أو الميلان أو ريال مدريد لكنه يشجع ويتعصب أولا لواحد من الأندية في بلاده، ولو لعب ذلك الفريق الأوربي الذي يحبه مع فريقه المفضل محلياً فسنجده يتعصب لفريقه المحلي، وأقرب مثال على ذلك مؤازرة مشجعي الأهلي المصري لفريقهم ضد فريق ريال مدريد في المباراة الودية التي اقيمت بين الفريقين قبل سنوات في القاهرة، رغم ان هناك الآلاف من مشجعي الأهلي المصري ممن يشجعون ريال مدريد في مباريات الدوري الاسباني والبطولات الأوربية. ضعف الانتماء وخلاصة القول ان ضعف الانتماء الرياضي لانديتنا المحلية عامل مؤثر على الانتماء الوطني بشكل عام. نقول ذلك بدون مبالغة أو مزايدة، كون الشعور بالانتماء والولاء الوطني يبدأ أولاً من الجماعات والمجموعات الصغيرة سواء كانت فرقاً رياضية أو فرقاً كشفية أو جمعيات ومؤسسات وطنية وغيرها، وهذا ما يؤكده الباحثون والمتخصصون في علم الاجتماع وعلم النفس.