تعرضت المادة السادسة من ميثاق إنشاء الجامعة العربية لقضية الدفاع العربي المشترك وبموجبها تم في 17 يونيو 1950 إبرام معاهدة الدفاع العربي المشترك بهدف صيانة واستقلال وأمن والدفاع عن حرمة تراب الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية ومن يومها والمعاهدة حبيسة أدراج إدارات الساسة العرب كأشبه بمولود غير شرعي تم تغطيته والتحفظ عليه , هذا رغما عن أن كرامة الدول العربية أو أجزاء منها مرغت بالتراب على مدى الستة العقود ونيف اللاحقة للمعاهدة الى اليوم. كل الأحداث في المراحل التالية لمعاهدة الدفاع العربي المشترك اثبتت اهمية وجدوى المعاهدة بالنسبة للأمة العربية ابتداءً من العدوان الثلاثي 1954 وعدوان 1967 على مصر ثم حرب 6 اكتوبر1973 التي ادت الى تداعي القوى العظمى وقوفا إلى جانب الكيان اليهودي وما نتج عن ذلك من فرض وصايا الاقوياء على مصر في اتفاقية كامب ديفيد وبقاء الجولان محتلة من يومها وما تلى ذلك من اعتداءات اسرائيلية: 1948 و1982م و 2006، كذلك الاحتلال الامريكي للعراق 2003 وهو ما افضى الى سيطرة ايرانية على مقدرات العراق, وقبل كل هذا بقاء الاحتلال الاسرائيلي جاثما على صدر الشعب الفلسطيني يعمل فيه القتل والذبح والتهجير ويقيم فيه المجازر وتدمير المنازل والمدن ويعمل على توطين اليهود وما يزال يمارس شتى صنوف الوحشية ضد شعب فلسطين وما تدمير غزة المتكرر بين كل فينة واخرى عنا ببعيد لتمر على الأمة العربية ثلاثة اجيال شاهدة تتذوق مرارة وعلقم الهزيمة دون ان تقدم شيئا لقضيتها المركزية في فلسطين أو لقضاياها في مصر او لبنانوسورياوالعراق او غيرها إلا أنه مع كل هذه التداعيات لم تتحرك دول المعاهدة لإخراجها إلى حيز الوجود حيث لم يتبع الاتفاقية تشكيل هياكل للدفاع العربي في اطار الجامعة العربية وتم تجاهل الاتفاقية وتناسيها لتبقى حبرا على ورق وبما يوحي بوجود قوى دولية ضاغطة تخشى وجود قوة ردع عربية قد تؤثر على نفوذها ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
وجود قوات للدفاع العربي المشترك حلم يراود بنيات أفكار الشعوب العربية وغيابها يمثل جريمة بحق هذه الشعوب المتطلعة لامة عربية واحدة إلا ان ترجمة هذا الحلم – وفقا لسياسات الدول الممثلة للشعوب العربية والدول الصديقة – لن يكون تبعا لأحلام الشعوب العربية وانما وفقا لتبدل استراتيجيات سياسات المصالح للحكومات وما يحكم ذلك من علاقات وارتباطات بمصالح الدول الصديقة وخاصة منها ذات التأثير والنفوذ وما تشهده المنطقة اليوم من حركة تدفع باتجاه تشكيل قوة دفاع عربي مشترك بعد 64 عاما من نداء المعاهدة الأول إلا دليل على توافقات مبنية على مصالح لا ترتبط اساسا بالشأن العربي خصوصا وانما المصالح الدولية لها اليد الطولى في ذلك , فأمن منابع النفط – على سبيل المثال – يعني العالم والغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص , ولهذا دفعت تلك القوى بمسوغات من شأنها إحياء موات الدفاع العربي المشترك حماية لمصالحها في المنطقة وليس حبا في السعودية ودول الخليج التي باتت قاب قوسين أو أدنى من حصار المد الشيعي المدعوم إيرانيا شمالا " العراق " وجنوبا " اليمن ".
إن صح التحليل السالف – وهو أقرب للواقع – فإن حلم الشعوب العربية يبقى رهنا بيقظة الحكومات القادرة على تفعيل المعاهدة بما يضمن مصالح الشعوب العربية الكبرى لا المصالح الآنية – العارضة – بعيدا عن الارتهان لمصالح الدول والحكومات ذات التأثير إذ لو أن تلك المعاهدة فعلت وفقا للبناء الذي قامت لأجله لما كان لإسرائيل وجودا يعيث في جزء هام من الاراضي العربية ولما تجرأت دول اجنبية على الاعتداء على مصر او لبنان أو سوريا أو العراق , ولما عاثت إيران فسادا في العراقوسورياولبنانواليمن في الآونة الأخيرة ولما تعرض أمن دول الخليج العربية للتهديد وربما كان حال دولنا وحكوماتنا وشعوبنا أقوى من حالها المترهل اليوم , حال لا يسمح بتجاوز الآخر سيادتنا وأمننا أو املاء اشتراطاته علينا , بمعنى أنه قد يصبح لها القدرة أو القوة على امتلاك وصناعة القرار والتأثير والنفوذ داخليا وخارجيا بل إن وجود قوات الدفاع العربي المشترك في حقيقته قد يجعل من الدول العربية لاعبا اساسيا وهاما في السياسة الدولية.
أمام حكوماتنا ودولنا العربية مهام كبرى وقضايا شائكة وفكرة العودة لتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك فرصة سانحة لحلحلة المشاكل التي تكاد تعصف بوجودها ووحدتها وأمنها واستقراراها شريطة مصداقية التوجه بعيدا عن رهن مصلحة الامة الكبرى بمصالح خارجية وإن لم تكن كذلك "فكأنك يا بو زيد ما غزيت".