ولدت جماعة الحوثي مجللة بخصومة سوداء مع الحياة، وحتى لا تنسى طبيعتها الهدامة جعلت من الموت شعارا لها، وغلفته نظريا بالبعيد، فيما تفرغت عمليا لحصد أرواح الأقربين من أبناء الوطن كان ظهورها على المسرح الوطني نقطة نازفة في تاريخ اليمن، فمن يومها غصت الأرجاء بلحن جنائزي طاعن في الإثم والنشوز، وازدهرت تجارة الأكفان وانتعشت المتارس، وانسحبت المدارس، حتى صارت اليمن في ظلها السموم خيمة عزاء، ومقبرة شاسعة تندب على أسوارها الغربان وبوم الفجيعة يدرك تجار الحروب المتحكمين بزمام الأمور في جماعة الحوثي المثقلة بجراحات سيرها المكب على الوجوه، أنه لا مستقبل لجماعتهم إلا في ظل انهيار الدولة، فبناء الجماعة العضوي والبنيوي يشبه إلى حد بعيد تكوين الفيروسات القاتلة من حيث العمل والوظيفة فكلاهما ينشط حين تضعف مناعة الجسم المستضيف، وكلاهما وجد ليهدم الحياة، ولذلك حرصوا منذ وقت مبكر على هدم مقومات الدولة وضربها في مقتل، حتى يسهل لهم بعد ذلك تنفيذ مخططهم التمزيقي، وكان يوم الحادي والعشرين من سبتمبر التجلي الأبرز للغاية التي ينشدونها، فمن يومها ظهرت الأطماع، وتبدى ما حاولت الجماعة إخفاءه وراء ستار الجرعة ومحاربة الفساد.
ولأن لغة الفعل أقوى من أي لغة أخرى تقف عدن اليوم شاهدا حيا على رسالة التهجير والتفجير والقتل والتدمير التي تحملها جماعة الحوثي لليمن واليمنيين ولدول الجوار إن استطاعت إلى ذلك سبيلا.. كانت عدن قبل مجيئهم عبر خطيئة الانقلاب، حورية المدائن، وينبوع الحياة، وفراشة الربيع، ودهشة البحر، وسكينة المدنية، ولوعة العشاق، وما إن صارت عدن في مرمى نيراهم المعتقة بالحقد على الحياة والسلم والحب، حتى حل الدمار وحشرجت الشوارع بالجثث والأشلاء، وازدحمت بوابة المغادرين شهداء إلى عليين، واختلطت دموع الثكالى بدماء الجرحى كل شيء في عدن صار هدفا لصواريخهم وقذائفهم، وقناصتهم، لا فرق بين طفل وامرأة وشيخ مسن، ومريض ونازح، كما أنه لا فرق بين مستشفى، ودار ايتام وحي سكني، الجميع تحت طائلة القصف.. معتقدين سفهاً أنه بمثل هذا النهج يمكنهم إجبار مدينة باسقة الاستعصاء كعدن على التسبيح بحمد سيد الجرف، لكنهم أدركوا لحظة لا ينفع إدراك ولا ندم أن عدن الحضارة والتاريخ والعنفوان قادرة على الانتصار لخياراتها الوطنية البناءة سيما في ظل الدعم الجوي والبحري واللوجستي الذي وفره التحالف العربي انتصارا للشرعية وإحباطا للانقلاب المقيت والارتماء الأرعن في حضن المشروع الفارسي.. وبقدر العنجهية وعمى المواقف التي اتسمت بها جماعة الحوثي طوال انهماكها بإحراق عدن لقنتها المقاومة الشعبية ووحدات الجيش الوطني درسا قاسيا، ودقت أول مسمار في جمجمتها الخاطئة..