مازال الفجر يمر بمراحل حتى يصل إلى إشراقة الصباح , المئذنة ترتفع فوق الجبل الرمادي تعانق السماء وصوت المؤذن يخترق الفضاء والحدود.... حالة سكون يخترقه أصوات البلابل والعصافير والغراب والهواء المنعش, فوق الغصن العاري يقف غراب ينعق يبدد وحشة المكان وتلازمني الدهشة من وجوده وكثرته. هديل الحمام يغيظ الغراب فلاتسمع إلا صوتاً خفيفاً يخترقه الغراب المزعج بنعيقه اللافت للانتباه والعرض الدائم أنه اكثر ثقة من الحمام الوديع برغم جمال الحمام إلا أن الأول سحب البساط عنه بإزعاجه, ودهائه. يقال أن الغراب هو أذكى الطيور وأمكرها على الإطلاق ويملك أكبر حجم لنصفي دماغ بالنسبة إلى حجم الجسم في كل الطيور المعروفة..الغراب اللغز المحير لي، بالرغم من صوته وشكله ولونه إلا أنه لغز محير لتفكيري اللحوح في فهم هذا الطائر المحرم علينا أكله. اختاره الله سبحانه وتعالى من دون المخلوقات ليكون المعلم الأول للإنسان، فعلمه كيف يواري سوءة أخيه ,أما محاكم الغربان فهي تقيم العدل الإلهي في الأرض أفضل مما يقيمه البشر, حيث تحاكم الجماعة أي فرد يخرج على نظامها حسب قوانين العدالة الفطرية التي وضعها الله سبحانه وتعالى لها، ولكل جريمة عند جماعة الغربان عقوبتها الخاصة بها, فجريمة اغتصاب طعام الأفراخ الصغار، عقوبتها تقضي بأن تقوم جماعة من الغربان بنتف ريش الغراب المعتدي حتى يصبح عاجزاً عن الطيران كالأفراخ الصغيرة قبل اكتمال نموها . فيما جريمة الاعتداء على أنثى غراب آخر' تقضي جماعة الغربان بقتل المعتدي ضرباً بمناقيرها حتى الموت . وجريمة اغتصاب العش أو هدمه تكتفي محكمة الغربان بإلزام المعتدي ببناء عش جديد لصاحب العش المعتدى عليه. وتنعقد المحكمة في حقل من الحقول الزراعية أو في أرض واسعة ،تتجمع فيها هيئة المحكمة في الوقت المحدد ، ويجلب الغراب المتهم تحت حراسة مشددة ، وتبدأ محاكمته فينكس رأسه ،ويخفض جناحيه ،ويمسك عن النعيق اعترافاً بذنبه . فإذا صدر الحكم بالإعدام ، قفزت جماعة من الغربان على المذنب توسعه تمزيقاً بمناقيرها الحادة حتى يموت، وحينئذ يحمله أحد الغربان بمنقاره ليحفر له قبراً يتواءم مع حجم جسده ، يضع فيه جسد الغراب القتيل ثم يهيل عليه التراب احتراماً لحرمة الموت. ومن عجائب الغراب أنه الطائر الوحيد الذي يستطيع العد حتى العدد 9. يتواجد الغراب في معظم بلدان العالم ,وفي اليمن يكثر في مدينة عدن حتى يطغى صوته المزعج على جمال وتغريد البلابل وهديل الحمام فتتميز عدن بهذا الطائر المحير لتفكيري.. صحيفة الجمهورية*