لم يكن تعاطف الشارع اليمني مع قبائل مأرب من فراغ رغم ردها القاسيٍ.. فعملية اغتيال الشيخ جابر الشبواني – أمين عام المجلس المحلي للمحافظة- وعدد من مرافقيه في الغارة الجوية التي استهدفت سيارته الأسبوع الماضي كانت عملية رعناء بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى وبكل المعايير والمقاييس. السؤال الأول هو عن الجهة التي قامت بالعملية؟!.. وللإجابة على هذا السؤال الهام فإن هناك جهتين فقط قادرتان على تنفيذ هذه العملية النوعية والمتطورة وهما جهة خارجية أو الحكومة اليمنية، وفي كلا الحالتين جريمة يعاقب عليها القانون.
فإذا كانت جهة خارجية فمعناه أن بلادنا صارت بلا بواب والسيادة منتهكة، وفي هذه الحالة هناك احتمالين هما أنها تمت بعلم الحكومة اليمنية وهذه جريمة عندما تتواطأ دولة مقابل حفنة من الدولارات على حساب السيادة وتساهم في قتل رعاياها، وإن كانت تمت بدون علمها فالجريمة أعظم، فدولة عاجزة عن حماية أجوائها لا تستحق البقاء.
وإذا كانت الحكومة هي من قامت بالعملية فقد ارتكبت مخالفة دستورية كونها قتلت مواطناً خارج القانون وبدون محاكمة وكان يفترض أنها تعمل على القبض عليه بشتى الوسائل القانونية والمتاحة وتقديمه للقضاء مثل كل دولة تحترم نفسها، لا تقتله غدراً وبدون تهمة أو محاكمة تدينه أو تبرئه.
العملية كشفت ضعف الحكومة وأكبر دليل على ذلك الانطفاءات الكهربائية التي عمت العاصمة والمحافظات جراء استهداف القبائل للمحطة الغازية بمأرب حيث تحولت العاصمة بين عشية وضحاها إلى قرية كبيرة، فالانطفاءات التي تمت الأيام الماضية لا تتم في قطاع غزة المحاصر، وكيف سيكون الحال في حال لا قدر الله جرت حرب أو استهداف أجنبي؟!
لقد وصل الضعف بحكومة حزب المؤتمر إلى درجة أن شخص واحد يستطيع هز البلد والإضرار بمصالح الشعب وربما قلب النظام الحاكم، وقد أثارت هذه الانطفاءات فضول المعلقين، فهذا اعتبرها المفاجأة الحقيقية في الخطاب الرئاسي، وآخر طالب بشكر حكومة مجور على تشغيل الكهرباء ساعتين في اليوم لشحن الهواتف النقال من أجل تواصل الناس، وثالث اقترح نقل المحطة الغازية إلى تهامة.
أثبتت الحادثة حماقة الأجهزة المختصة، فليس من الحكمة شن غارة ضد مواطنين في غمرة الاحتفالات الوطنية، وبعد خطاب رئاسي دعا إلى طي صفحة الماضي وفتح باب الحوار للجميع، لقد أصابوا الحوار في مقتل، وأكدوا أنهم لا يحترمون خطاباتهم ويتحلون بالغدر والخديعة ولا ميثاق لهم حتى مع أكبر حلفائهم كما هو الحال مع الشبواني الذي كان في مهمة وساطة لصالح النظام كما تقول بعض المصادر، ولا يأبهون للضحايا إطلاقاً، أي انعدام المسؤولية لديهم تماماً.
ومن غباء الأجهزة الرسمية أنها فاشلة في استقصاء المعلومات الصحيحة في حال كان الحاث خطأ فعلاً، وما جرى في المعجلة في ديسمبر الماضي بشهادة تقرير برلماني يؤكد ذلك، ومن الغباء أيضاً أنها نفذت العملية بمنطقة قبلية معروفها بشراستها ولم تحسب بالاً لردة فعلهم مما سهل عملية استهداف القصر الجمهوري والمصالح وأنابيب النفط.
الجميل أن اللجنة الأمنية العليا اعتذرت في أقل من 24 على الحادثة بعد أن رأت العين الحمراء، هل تذكرون الشيخ سلطان البركاني عندما قال في البرلمان أنه لا توجد دولة في العالم تعتذر عن قتل مواطنين بالخطأ؟!، والجميل أنه تم تشكيل لجنة رئاسية للتحقيق في الموضوع بينما رفض مجلس النواب تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في حادثة المعجلة بأبين التي أزهقت أرواح أكثر من أربعين مواطنا موزعين بين امرأة وطفل ولولا إصرار بعض النواب يومها وتقديم نائب رئيس المجلس النائب محمد الشدادي استقالته لما تم تشكيلها لاحقاً.. والمناسبة لا يزال الضحايا ينتظرون تعويضهم حتى اللحظة.
وباعتقادي لو كانت العملية استهدفت قرية كاملة في محافظة كتعز على سبيل المثال لكان الإعلام الرسمي اليوم وبكل وقاحة يمطرنا بالافتتاحيات والمقالات التي تشيد بالضربة الأمنية الاستباقية والناجحة ولكان يكيل كل الشتائم لمن سينقدها وسيتهمه بالإرهاب والتباكي على أوكار الإرهابيين لكن لأن الضحايا من قبيلة عبيدة فالأمر فيه نظرة وأعوذ بالله من المناطقية.
كما أن الحادثة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك غياب المؤسسات الرسمية، ولهذا حكّمت الرئاسة أهالي الضحايا بعشرات السيارات ومئات البنادق وهذا آخر ما كنا نتوقعه، كانت البداية بتهجير السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) لرد اعتبار حسن مكي، ومروراً بالصلح القبلي في السلطة التشريعية الرقابية (مجلس النواب) بين شرده وأهيف، وأخيراً الرئاسة تحولت إلى قبيلة، ولا عزاء لدولة النظام والقانون.
بالمقابل، القبيلة في هذه الحادثة أثبتت أنها نصير المظلومين ولولاها لداست الحكومة فوق رؤوسنا، ويجب على القبيلة أن تدرك أن الخطأ كان خطأ دولة وليس فرد وما جرى عبارة عن امتداد لمرحلة إرهاب رسمية. ويجب على الدولة أن تدرك أن تهديد القاعدة كبير لكن تكلفة مكافحتها أكبر، وأن يد الحوار يفترض أن تكون فوق أيدي الصواريخ.
* قلق حكومي لاشك أن المسؤولين يعيشون هذه الأيام حالة هلع ورعب كبيرين بعد حديث رئيس الجمهورية عن إمكانية تشكيل حكومة وطنية.. كل وزير خائف أن تأتي حقيبته من نصيب الأحزاب المعارضة، وسيحاول البعض الآن إثبات ولائهم التام للقائد وهبر قدر المستطاع لمواجهة أسوأ الاحتمالات.
حكومة وحدة وطنية ببرنامج إنقاذ وطني برأيي قد تكون جزءاً من حل الأزمة التي تعيشها بلادنا لكن من هو الحزب الدبور الذي سيقبل أن تكون من حصته وزارات الكهرباء والصحة والتعليم والمغتربين والسياحة والثقافة والتجارة، وهل سيتنازل الحزب الحاكم عن الوزارات السيادية كالدفاع والداخلية والمالية والخارجية والإعلام والنفط؟! عن الناس