من اعتقد أن فارس الإعلام اليمني يحيى علاو كان رجلاً عادياً، يتحتم علي هنا أن أوضح له الحقيقة المناقضة لما يعتقده. الأربعاء الماضي حين نقل إلى غرفة العناية المركزة، كنت أحد زائريه في مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا. اليوم التالي كتبت تقريراً مبسطاً عن حالته، تضمن جزءاً صغيراً من تفاصيل حياته وإنجازاته، وخلفية حول مرضه وتجاهل الجهات الرسمية له.
حين نشر التقرير على موقع "المصدر أونلاين" تلك الليلة، كانت نتيجة التفاعل مذهلة للغاية. فخلال ساعات قليلة، أمكنني اكتشاف الحب الكبير الذي يكنه له كثير من اليمنيين في الداخل والخارج.
فخلال الدقائق الأولى تناقلت المنتديات والمواقع الالكترونية الخبر بشكل لافت. وخلال الليلة ذاتها اقتربت زيارات القراء، من الألف قراءة، بينما وصلت التعليقات التي تفاعلت مع ما جاء في التقرير إلى حوالي 50 تعليقاً.
هذه النتيجة – بالنسبة لنا كعاملين في الموقع - كانت لافتة جداً، وذلك من عدة نواح. لعل أهمها أن التقرير نشر في وقت متأخر من مساء الخميس، وليلة الجمعة (يفترض أن يقل عدد المتصفحين للانترنت في ذلك الوقت).
بل وإضافة إلى تلك النتيجة المذهلة لسرعة نمو عدد الزيارات والتعليقات، فقد جاءت معظم التعليقات لتكشف عن عمق الحضور والحب الذي اكتسبه الراحل بين المواطنين الذين أعرب معظمهم عن حزنه الشديد لما ألم به. كانت معظم التعليقات تدعو له بالشفاء، بعبارات تعكس الإخلاص وعمق الحب، بينما كان بعضها يدعو الله أن يلقى كل من تسبب في معاناته وأهملها الجزاء الأوفى.
في اليوم التالي فقط، ارتفعت حصيلة الزيارات لتقترب من الألفي زيارة، بينما اقتربت التعليقات من المائة تعليق، خلال يوم ونصف تقريباً، وهي أكبر حصيلة خلال يومين لتقرير نشر على الموقع.
بل لقد بلغ الأمر بصديقه الحميم ورفيقه الدائم أثناء أزمته عبد الغني الشميري؛ أن ناشد الصحافة أن تكف عن نشر أخبار حول حالة علاو، كون المستشفى عج بالزائرين، وتوالت الأتصالات على أقربائه وأسرته تسألهم عن،ه حتى باتوا غير قادرين من الرد على معظمها.
نعم، إنه فارس الإعلام العصامي الذي أحب الجميع، فأحبوه. ذلك الحب الذي عاش لأجله، ولم يكن يسعى في حياته إلا لإسعاد غيره.
لقد تجسد ذلك الحب أكثر حين غادر الحياة، مساء أمس الأثنين. كان الوقت متأخراً قبيل انتصاف المساء بساعات قليلة، حتى كتظ المستشفى بالزائرين والمحبين. وحين نشر الخبر على المواقع الالكترونية، فاق عدد الزيارات سابقتها. ففي ظرف ساعتين فقط، تجاوزت القراءات الألف ومائة تقرير، بينما اقترب عدد المعلقين - خلال تلكما الساعتين فقط – من المائة تعليق.
ليس ذلك مقياساً، لكنه بالنسبة لنا كمتابعين، لحركة الموقع، يعد أمراً لافتاً بشكل كبير. كانت معظمها تدعو له بالرحمة والمغفرة، بينما ذهبت أخرى للحديث عن مناقبه، وشدة إعجابهم به وبإخلاقه وطريقته في الأداء الإعلامي، وتركيزه وميله للبسطاء، والحصيلة الثقافية التي كان يستند لها.
تساءل بعضهم عن رمضان القادم: كيف سيكون بدون سائس"فرسان الميدان". أكد بعضهم أن الخبر أبكاه، بينما فضل بعضهم التنفيس عن آلامه بمحاولة عقد مقارنة، بينه وبين المسئولين، تساءلوا: ماذا لو كان علاو أحد المتزلفين، والفاسدين؟ يجببون أنفسهم: لما تجاهلته الجهات الرسمية، ولنقل سريعاً إلى أكبر مستشفيات العالم، قبل أن يتمكن منه السرطان.
غير أن علاو الذي فقدناه بالأمس، لم يكن ليحب شيئاً أكثر من شعوره بأن ما قدمه للآخرين أثمر هذا الحب الكبير.
ألا يكفي أن يرحل علاو بهذا الحب ونتألم لفراقه، بينما نتمنى لو يرحل الفاسدون والظلمة اليوم قبل غد، تسبقهم لعناتنا.