* خدمة للوطن وحماية ل"المصلحة الوطنية العليا" و"النظام الجمهوري" من اختراق الشعب وأطماع المواطنين يجب أن تظل الوظيفة العامة في أيدي "الخاصة". الوظيفة العامة تكاد تصبح هي الأخرى جزءً من "الثوابت الوطنية" تضاف على الدستور والقانون والمصلحة الوطنية العليا. ولولا ان الموت حق ويساعدنا باستمرار في التخلص من الحمولات الزائدة، لأصبح لدينا وزراء مخلدون ومسئولون أبديون، يدخل الواحد منهم إلى الوزارة وكرسي المسئولية وينسى أن يخرج، كما تنساه الدولة وتنسى حاجة إسمها "تدوير وظيفي" حتى لو مر على المسئول في هذه الوظيفة ألف سنة. والحمد لله أن الأعمار لا تصل إلى هذا الحد.
* أكثر من أربعين سنة والأجيال اليمنية المتعاقبة تتأهل وتتعلم وتحصل على الشهادات العليا والتخصصات الأكاديمية، ولكن هؤلاء لم يأخذوا دورهم في السلك الوظيفي ويذهبون مباشرة إلى رصيف البطالة أو إلى أعمال حرة وخاصة، والقلة القليلة فقط توفق في الإلتحاق بذيل السلم الوظيفي. أما أبناء وأقارب المسئولين ورجال الدولة فإنهم- بالفطرة- مسئولون ورجال دولة كابراً عن كابر وأماكنهم الوظيفية محجوزة سلفاً. كل هذا لأننا أمة من الرعايا المحكومين بسيف الثوابت العليا والمقامات العليا.
* يتماهى الشخص مع الوظيفة فيكون مخلداً ويورثها لأبنائه من بعده. وأعرف مسئولاً وطنياً - عليا أيضاً- كان يشغل وظيفة في إدارة هندسية مرموقة، واليوم يجلس نجله المحظوظ على نفس الكرسي والمشكلة ليست في الكرسي، قطعاً، فالكراسي "خيرات" وإنما المشكلة تكمن في أن النجل حاصل على شهادة علم اجتماع من جامعة لم يسمع بها أحد من الإنس قبل الآن!
* أحاول بكل الطرق أن ألتمس عذراً ومخرجاً فأجد رابطاً بين الهندسة الإنشائية وبين علم الإجتماع، فلا أقف على مقاربة معقولة أو حتى غير معقولة ولكن قليلاً فقط.
مؤخراً قرأت كتاباً عن "الإجتماع العائلي" وفيه يتحدث المؤلف عن "هندسة الإجتماع العائلي" فركت أصابعي من الفرحة وصرخت بالتهليل والتكبير، واستغفرت ربي على إساءة الظن ب"حكمة" ومعايير الدولة وعدالة التوزيع الوظيفي!
* ولا بأس بعد ذلك أن تجد دكتوراً تخصصه "طب أطفال" ووظيفته الحالية: عميد كلية طب الأسنان بجامعة صنعاء. لا بد وأن الحكمة الوطنية لديها رؤية عملية ذكية وخطيرة جداً رجحت لديها تعييناً عبقرياً كهذا.
على الأقل فإن الأطفال أكثر عرضة لأوجاع وتسوس الأسنان بسبب الشوكلاته أو المياه المشبعة بالأملاح، أو ما كان. المهم هو أن ثمة سبباً وجيهاً لدى صاحب الأمر في التعيين للوظائف الجامعية والأكاديمية، كأن يكون طبيب الأطفال عميداً لكلية الأسنان، وطبيب المسالك البولية رئيساً لقسم أمراض الولادة بالمستشفى الجامعي التعليمي الشهير.
* آلاف الشباب والخريجين لا يجدون فرصاً للتوظيف، البلاد بحاجة إلى طاقاتهم وخبراتهم ومعارفهم، لكن ما علاقة حاجة البلاد، هنا بالتوظيف؟
* المهم حاجة الرؤوس والكروش الوطنية، العليا إلى الشعور بان النظام الجمهوري لا يزال بخير، وأن الثورة المباركة لم تخترق، وأنهم سيورثون الأبناء والأحفاد مهام ووظائف "حراسة الثورة" و"حماية الجمهورية" من اختراق الشعب وأطماع المواطنين الطامعين بمكتسبات الوطن ووظائف دولة المسئولين وشلة "الثوابت الوطنية".
* ولم يعد سراً، أن ابن فلان سافر إلى الخارج للدراسة على نفقة الخزينة المعاقة، وبقي هناك ثمانية أعوام أو أكثر، وعندما تقدم للتوظيف بعد عودته الميمونة كانت الشهادة الوحيدة ليس هذا فحسب، بل إن كشوفات وسجلات الجامعة المحلية تخلو من أية أسناد أو وثيقة تؤكد بان فلان ابن فلان قد مر يوماً بجوار بوابتها أو قريباً من سورها الحجري المميز!!
* وهنا أيضاً لا بد وأن تكون للدولة حكمة لا يعرفها الجاهلون أمثالنا.
فالطالب الفاشل قد يكون مسئولاً ناجحاً، ودعكم من "قد" هذه، فالحال كذلك.. جميع أو أغلب الفاشلين صاروا مدراء وما فوق. ولهذا السبب نحن مطمئنون إلى مستقبل التنمية والإدارة الإقتصادية والحكومية في ظل حراس الثوابت العليا وأمناء المصلحة الوطنية والنظام الجمهوري الذي يقسم المكاسب بالسوية: للناجحين الشهائد والتعازي، وللفاشلين الوظائف وأحر التهاني والتبريكات.
* إذا كانت المعارضة ستفعل المثل وتداول الوظائف والمناصب – من الآن- بالوراثة والمحسوبية وتقلب للشباب ظهر المجن وتغلق أمامهم الدروب والأبواب، فلا حاجة بنا إلى تغيير يستبدل الأسماء بالأسماء، ويبقي على "الجمعة الجمعة والخطبة الخطبة".. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم... شكراً لأنكم تبتسمون.