ارتبط مصطلح "قومية" في الأذهان بالتعصب و الصراعات العرقية و الشوفينية و اليمين المتطرف خاصة في أوروبا، التي انتقلت دولها فيما بعد و بفعل فداحة الصراعات الدموية إلى الدولة الوطنية. الدولة الوطنية التي تتعامل مع مواطنيها وفق المواطنة المتساوية بتنوعهم العرقي و اللغوي و الديني. بمعنى أن الدولة القومية كانت مرحلة تاريخية معينة احتاجت إليها شعوب كانت تعاني من التمزق و التشتت و من الاحتلال و السيطرة الخارجية. لكن عندما أصبحت مجرد تعصب عرقي لم تجلب غير الصراعات و الحروب و الدمار.
لنأخذ ألمانيا على سبيل المثال. ألمانيا كانت ممزقة إلى دويلات و إمارات و مدن حرة. و بسبب هذا كانت غالبا ما تخضع للامبراطوريات من خارجها كروما أو فرنسا أو النمسا. بعد الإعلان رسميا عن نهاية الإمبراطورية الرومانية المقدسة في عام 1806 اشتدت الصراعات في ألمانيا و أوروبا ككل، و بلغ التمزق ذروته. ترافق هذا مع ظهور الحس القومي الألماني من أجل تأسيس دولة قومية موحدة. في 1870 أعلن نابليون امبراطور فرنسا الحرب على بروسيا الألمانية، الأمر الذي دفع بولايات جنوبألمانيا للوقوف مع بروسيا. و تم هزيمة فرنسا. و في نفس العام تم الإعلان عن تأسيس الرايخ الألماني.
لكن هذه القومية الألمانية التي كان هدفها التخلص من السطوة الخارجية و تأسيس دولة قومية موحدة، تختلف تماماً عن قومية هتلر النازية الشوفينية العنصرية، التي حولت ألمانيا من دولة ديمقراطية إلى ديكتاتورية و من دولة وطنية إلى دولة عرقية. بمعنى أن قومية هتلر لم تكن تأسيسة بل رجعية، عادت بألمانيا قرون إلى الوراء.
الأمر أيضاً يسري علينا كعرب. فالنزعة القومية كانت ضرورة لنا من أجل إحياء الهوية العربية و الشعور بالانتماء في سبيل القدرة على دحر الاستعمار و الاستغلال و التسلط الخارجي. كخطوة نذهب بعدها إلى الدولة الوطنية. في اليمن ما نحتاجه هي الدولة الوطنية، دولة المواطنة المتساوية. و في سبيل ذلك نحتاج لإحياء الهوية الوطنية اليمنية.
فيما يخص "حركة القومية اليمنية"، فيمكن تقيمها وفق ما تحمله من معان و وفق ما يقصد بها. يمكن أن يقصد بها وطنية، و تعرف بشعب يتشارك أرض واحدة و ثقافة و تاريخ و لغة مشتركة. و هذا ايجابي و حاجة لنا في سبيل تأسيس دولة بهوية وطنية تقوم على المواطنة المتساوية.
أو المعنى المرتبط بالعرقية، بما يحمله من تعصب و عنصرية و استعلاء عرقي. و هذا من وجهة نظري سلبي و نحن في غناء عنه.