قامت السعودية بعمل حركة مجاملة لطيفة مع جريدة وول ستريت جورنال الأمريكية، بأن أدخلتها إلى ما أسمته المركز العصبي للحرب في اليمن والغرفة التي تدار منها هذه الحرب. هذه الجريدة، بارزة التأثير على صناعة الرأي العام في أوساط رجال الأعمال والصناعة والبنوك والمال وبالتالي في أوساط راسمي سياسات أمريكا وصانعي القرار وواضعي سياستها الخارجية.
قال كاتب التقرير، أنه دخل قسما كاملا، في غرفة العمليات هذه، عليه أعلام أمريكا وبريطانيا، ويجلس داخله أمريكان وبريطانيون فقط.
وعلى الجدران شاشات، بث مباشر من أجواء كل نقطة في كل أنحاء اليمن.
انظر إلى هذه السيارة التي تتحرك الآن، على هذه الشاشة. لقد خرجت من موضع به قوات للحوثي، تصل إلينا من طائرة درونز بدون طيار، ولكنا لن نضربها، أو نضرب ميليشيا الحوثي، لأننا قد نضرب مدنيين.
طائرات الدرونز الأمريكية، ترسل صور حية بث مباشر إلى الرياض لأغراض حرب التحالف وإلى فلوريدا لأغراض حرب أمريكا الأخرى على ما يسمى بالقاعدة في اليمن.
إذن هذا هو سبب الهدية التي حظيت بها الجريدة الأمريكية، وهي علاقات عامة بأن هذه الحرب هي عملية جراحية نظيفة.
ثم أهدوا الجريدة صورة تبين 41000 نقطة على خريطة لليمن، تقول بأنها قائمة بالأماكن التي لا تقصفها الطائرات الحربية، لأن المدنيين قد يصابوا.
الصورة تبين اليمن كأنها منخولة نخل ومخترقة بالكامل من الجو.
وتفاخروا على الجريدة بأن عدد الطلعات الجوية، هو145000 مهمة خلال ثلاث سنوات.
لم يفطنوا لأن القارئ، قد يأخذ هذا الرقم على أنه علامة فشل ودليل على أن التحالف ينزف ماليا في مستنقع كبير، لا تبدو له نهاية.
هزت الجريدة رأسها، وذكرت في الفقرة التي تليها أن منظمات حقوق الإنسان رصدت 16000 غارة طيران للتحالف الخليجي، نتج عنها إصابات مدنية لشعب اليمن.
وانظر إلى هذه الشاشة البث المباشر، أنها تبين كل طيارة سعودية أو إماراتية تتزود بالوقود فوق أجواء اليمن.
طبعا هذه الطيارات التي تعمل كمحطات وقود متنقلة في الجو هي طيارات أمريكية. يعني هذه الحرب لم يكن من الممكن أن تستمر لحظة واحدة بدون أمريكا. وأنهم، هم من يدير هذه الحرب.
وانظر إلى هذه الشاشة، إنها تبين موضع كل طيارة سعودية أو إماراتية من لحظة انطلاقها من قاعدتها إلى قصفها للأراضي اليمنية وحتى عودتها إلى مربضها.
يا سلام على تكنولوجيا ويا سلام على نزف مالي بدون عائد ويا سلام على بطولات.
إذن الذي يدير المركز العصبي لحرب اليمن، هما أمريكا وبريطانيا.
ولا أحد يصلي، إلا وهو طالب مغفرة.
وقد حددت الدولتان أجرتهما، بشراء هذه التكنولوجيا نفسها، وصفقات سلاح هائلة لن يستعملها العرب إلا لضرب بعضهم البعض، واستثمارات لأموال البترول في أمريكا وبريطانيا، ووعود غامضة بحماية الخليج من إيران.
هذه الوعود كانت قد بذلت من قبل ولم تكن غامضة مثل الحالية، فقد بذلت لعشرات السنين من أمريكا وانتهت بسيطرة إيران على لبنان والعراق وسوريا. كلها بلاد قد دخلتها قوات أمريكا تحت مسميات مختلفة، وكلها انتهت بسيطرة إيران.
وأمريكا، كانت الكل في الكل في اليمن والآمر الناهي، حتى طردتها إيران من صنعاء، وعادت إليها من غرفة العمليات الجوية في الرياض، لكن بفلوس.
لا يمكن أن تستمر حرب اليمن، بدون أمريكا وبريطانيا. ولا يمكن الحصول على تغطية قرارات الشرعية الدولية من مجلس الأمن، بدون أمريكا وبريطانيا.
المؤكد هو أنه لولا السعودية والإمارات، لكان الحوثي جاثم على صدورنا مثل الكابوس الثقيل، ولكان عدد الرحلات الجوية بين صنعاء وطهران فوق الخمسين رحلة في الأسبوع.
أحلام الحوثي وأوهامه، بقدرته على حكم اليمن والسيطرة عليها، قادتنا إلى هذا الهلاك والدمار والنزوح والجوع. وفشل القوى اليمنية المناوئة للحوثي، في لملمة صفوفها تطيل من عمر هذه المأساة.
وتوهان السعودية والإمارات في تحديد ماذا تريدان في اليمن بالتحديد، وانشغالهما بالمفاتنة بين مكونات الشرعية المختلفة، ومنعها لطائرة رئيس اليمن هادي من الهبوط في مطار عدن وطردها لرئيس الوزراء وحكومته من عاصمته، وأشياء بلا عدد لتخبط التحالف والشك بوجود أجندات خفية، تدل على أن هذه الحرب بلا نهاية.
وفي نفس اليوم، تطل علينا صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، بمقالة لمساعد سابق في إدارة أوباما، تقول بأن الحوثيين أحذق من السعودية والإمارات والشرعية (الجنرال علي محسن)، في التعامل مع قبائل الشمال وكسبهم وتجنيدهم.
وأن الحوثيين، يهزمون السعودية والإمارات وجيوش علي محسن في معارك الجبال.
وتقول المقالة، بأنه حتى لو سيطرت الإمارات على السواحل الغربية لليمن، فستستمر سيطرة الحوثيين على الجبال ولن تنتهي الحرب.
ويجب التنويه بأن الشرعية تقول بأن سبب عدم الانتصار وتأخر القضاء على الحوثي، إنما هو عدم رغبة السعودية والإمارات بإنجاز المهمة. والتحالف يقول السبب، هو فساد الشرعية وانقسامهم وتجار الحروب.
وتعود الدائرة وتكتمل بالذي يقول إن أمريكا وبريطانيا، هي السبب. وتستمر الحلقة المفرغة، ويستمر دمار اليمن.