كم هو مفجع أن تقف مع أعداء الأمس واليوم والغد.. مدافعا عنهم.. ومهللاً لهم.. فمنذ متى أصبح الأمريكان (حلفاء الصهاينة) أصدقاء؟، وفي اليمن من باربرا بودين إلى أوموندهول، إلى ساوش، إلى جراجكسي، إلى فايرستاين، كانوا وما زالوا أشبه بحكام لليمن. هل ينطلي على عاقل أن تتحول أمريكا بين يوم وليلة مدافعة عن الشرعية، شرعية من؟ ولصالح من؟ أو ضد من؟! أمريكا كانت شرطي العالم، واليوم تحكم العالم وفقا لقوانينها الخاصة.. طوال عقد الخمسينيات والستينيات تعرض الزعيم القومي الراحل جمال عبدالناصر لمؤامرات متواصلة، لاقت تأييد بعض الحكام العرب، وهؤلاء اتفقوا مع أمريكا إلى جذب مصر إلى دائرة النفوذ الأمريكي لكن عبدالناصر عارض هذا المخطط ووقف في مواجهته، وأرادت أمريكا أن تجعل من منطقة الشرق الأوسط مأمونة ضد التوسع السوفييتي، فتعاونت مع بريطانيا لإقامة حلف بغداد، وعارض ناصر هذا المشروع الذي يستهدف مقاومة التيار الراديكالي العربي وبداية المد القومي في المنطقة ممثلة بمصر. بعد يأس أمريكا من استمالة ناصر إلى فلكها، بدأت بالتآمر عليه، فنسقت مع بريطانيا وفرنسا وإسرائيل للقيام بالهجوم على مصر خاصة بعد أن حاولت الضغط عليه وسحبت تمويلها للقناة. فعمد ناصر إلى تأميم شركة قناة السويس، فقامت هذه الدول بضرب مصر عام 1956م وتظاهرت أمريكا بعدم معرفتها بالاعتداء وانتقادها له ودعت إلى انسحاب هذه القوات، وكانت خطة التآمر بعد ضرب مصر أن تحافظ أمريكا على مصالح الدول المعتدية في المنطقة وتكون هي الراعية لتقسيم النفوذ بينهم في المنطقة. وحين لم تحقق أمريكا مآربها بدأت تفكر بالتآمر على مصر لضربة مرة أخرى في العام 1957م، وتذرعت أمريكا بأن عبدالناصر يعد مخططا ضد إحدى الدول العربية الصديقة لأمريكا، لانتزاع الحكم وقلب النظام. ويلاحظ أن المخطط الذي وضع في عهد ايزنهاور لضرب عبدالناصر يشبه إلى حد كبير المخطط الذي وضع في عهد بوش لضرب صدام مع التفاوت بين ناصر وصدام بدرجة القومية، ونفس الحلفاء تقريبا تكرروا في كلا المخططين خاصة بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، والطلب يتم عادة من نفس الأصدقاء لضرب إخوانهم العرب والهدف نفسه إلى اليوم واحد، هو كبح جماع القوى غير الموالية لأمريكا والمعادية لها، وتولية سلطة موالية للأمريكان في كل البلدان العربية. لكي يحقق الرئيس الأمريكي (ايزنهاور) أهدافه تحول إلى رجل وعظ ومن أهل التقوى أثناء زيارة الملك سعود لأمريكا محاولا إقناع الملك بأن سياسة عبدالناصر ستؤدي إلى إحكام قبضة السوفييت على مصر والدول العربية، وأن فكرة القومية ستتلاشى ويسيطر المبدأ الشيوعي (الآثم) على الأمة العربية المسلمة وأن هذا يمثل خطراً على ديانتكم المحمدية العظيمة، لكننا نحن أصدقاؤكم الأمريكيين لن نسمح بحدوث هذا وسنقف بكل قوة تجاه هذه التحركات المشبوهة، وأخرج مدير المخابرات الأمريكية ملفاً أوهموا الملك بأن مصر والاتحاد السوفييتي اتفقتا على السماح للسوفييت بنشر مبادئهم الشيوعية لنشر الكفر والضلال. هنا وافق الملك على مبدأ ايزنهاور بعد إقناعه بأن المستهدف الأول هي السعودية، وأعطى أمريكا تصريحا مباشرا بالتدخل العسكري لحماية بلاده من السوفييت بعدها فكر الأمريكان في محاولة اغتيال عبدالناصر، وقام مدير المخابرات الأمريكية الذي سبق وأن أبلغ السعودية بمعلومات كاذبة عن محاولة عبدالناصر لاغتيال الملك سعود. إلا أن المحاولة فشلت في مارس 1958م وبقي ناصر يقاوم بشدة محاولات أمريكا للتدخل في المنطقة. في الوقت الذي كان ناصر يريد تجنب الصراع العسكري مع أمريكا لكنه يريد دعم الثورات العربية التحررية، وبالفعل ساندت مصر ثورة اليمن وكانت مصر على اتصال بثوار اليمن، وعبر قواته في اليمن الشمالي، استطاع مساندة ثوار جنوب اليمن ضد الاستعمار البريطاني. بالمقابل قدمت المساعدات السعودية الأمريكية لأنصار الإمام. وعمدت أمريكا على تحريض السعودية والدس بأخبار كاذبة عن مصر لكي تزيد العداء بين السعودية ومصر لتصل إلى الاحتكاك العسكري كي تتدخل أمريكا لضرب مصر. ومن ذلك وصل الاحتكاك بقصف الطائرات المصرية المتواجدة في اليمن إلى حدود السعودية وطلبت السعودية من أمريكا بالتدخل وهكذا وصلت القوات العسكرية الأمريكية إلى السعودية بحجة حماية السعودية وحقول النفط، ومصالح شركة أرامكو، وحماية البعثات العسكرية الأمريكية وحققت أمريكا غرضها في التدخل، ودبرت أمريكا محاولة أخرى لاغتيال عبدالناصر في ديسمبر 1963م ولكن حدثت المفاجأة باغتيال الرئيس الأمريكي كنيدي في نوفمبر أي ان القدر سبق إلى كنيدي قبل مخطط اغتيال ناصر بشهر واحد. وفي يونيو 1967م جرى التخطيط الأمريكي الإسرائيلي لاعتداءات إسرائيل على مصر وسوريا والأردن، وقامت الطائرات الأمريكية والبريطانية بمساندة الضربات الجوية الإسرائيلية ضد مصر وألحقت الهزيمة الكبرى بالأمة العربية في يونيو 1967م.. هكذا استمر التآمر الأمريكي على الأمة العربية إلى أن مات الزعيم القومي جمال عبدالناصر مسموما عام 1971م وصولا إلى حرب الخليج الأولى بين إيرانوالعراق لتدمير قواته، والتي استمرت لمدة ثمان سنوات ابتداء من ثمانينيات القرن الماضي، ظلت فيها أمريكا تزود الطرفين بمعلومات مضللة لكي تستمر الحرب بين الدولتين فأكلت الحرب الأخضر واليابس، وبعد سنتين على توقف هذه الحرب لم يرق لأمريكا أن ترى المنطقة تعيش في سلام، فقامت بدس جديد بين العراق ودول الخليج على تكاليف الحرب وتعويضاتها. فأوعزت أمريكا للعراق بواسطة سفيرتها أن التهم الكويت ونحن سنقف معك، فكان احتلال الكويت المصيبة الكبرى التي بها توطدت أركان أمريكا في المنطقة وتدمير العراق وبنيته وقواته وتدمير شعبه ونهب ثرواته. فحدث ما حدث واحتلت أمريكاالعراق وعينت حاكما عسكريا أمريكيا عليه وبعدها صدرت الديمقراطية الأمريكية إلى العراق بواسطة الحروب والفتنة الطائفية التي تدور رحاها منذ العام 2003م إلى الآن.. وبعد أن سادت وبسطت أمريكا سيطرتها على منابع النفط وفرضت الهيمنة على البلدان العربية تقول تقارير ال(سي. آي. ايه): إن أمريكا عمدت على إشعال الخلافات والصراعات الداخلية في البلدان العربية، وكذا استغلال بذور الخلافات المذهبية والطائفية، وفطنت أمريكا إلى أن العمل على زيادة حدة الخلافات بين إيران والسعودية هو أفضل للمخطط الأمريكي من تقارب هاتين الدولتين، وعليه جعلت من إيران وسلاحها النووي الفزاعة الرهيبة التي تضمن لأمريكا الاستئثار والسيطرة على منابع النفط العربي، بحيث إن التهديد الإيراني للسعودية تجعلهم يعتقدون أن الإيرانيين يشكِّلون مصدر تهديد مباشر لأمنهم وأمن الدول الخليجية جميعها، الأمر الذي يجعل السعوديين يلجأون إلى الولاياتالمتحدة ويعملون على زيادة روابطهم وعلاقاتهم السياسية والعسكرية مع واشنطن، كما استغلت أمريكا الخطر السوفييتي الشيوعي في بعض الأقطار العربية مثل مصر وسوريا والسودان والصومال وجنوب اليمن أثناء الحرب الباردة بينما كانت الحرب الباردة حينها تقوم على عدة أسس منها الاتفاق الأمني بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، تعهد فيه الطرفان على تقسيم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط فكانت دول الخليج من نصيب أمريكا، والعراق وسوريا من نصيب السوفييت يسمح كل طرف بوضع معدات وأسلحة عسكرية في هذه الدول بدون إذنها بشرط السماح لها بالحماية الأمنية مع موافقة الدولتين العظمى بين بعضهما ولا يسمحان لأية دولة في المنطقة بأن تجرهما إلى المواجهة المباشرة، وأن قواعد اللعبة ظلت محدودة ومتفقا عليها بين القوتين العظيمتين، كما اتفقتا على أن تكون منطقة الشرق الأوسط منطقة مناورة مفتوحة تلعب فيها القوتان بكل أوراقهما السياسية الممكنة، وأن أياً من الدولتين لن تعترض على النشاط السياسي للدولة الأخرى وهكذا.. لكن الورقة الرابحة كانت لأمريكا من الشرق الأوسط فاستغلت الدين ورجال الدين للانقضاض على الاتحاد السوفييتي وتفكيكه ومن أفغانستان طلع قرن الشيطان اليوم تناور أمريكا بالقاعدة واحتلت بها دول العالم تحت مسمى الحرب العالمية على الإرهاب، وما زالت اللعبة مستمرة بعد أن أصبحت القطب الأوحد بل الأقوى. ولتنفيذ مخططها في المنطقة تعمل أمريكا على تضخيم الخطر الإيراني وسلاحه النووي، ولم تدع أمريكا سبيلاً يُذكر من الخطر الإسرائيلي وسلاحها النووي على أمن الخليج والمنطقة، بينما تعمل أمريكا هذا الدور كله من أجل تأمين مصالحها، وكذا تأمين مصادر الطاقة وتأمين إسرائيل. وتحولت أمريكا من شرطي العالم إلى مهيمن على العالم رغم أن منافسيها ليسوا أقوى بما فيه الكفاية إلا أنها تتقاسم معهم النفوذ والمصالح إلى حد ما في المنطقة.. وزيادة الهيمنة الأمريكية في المنطقة جعل من السفير الأمريكي في كل دول المنطقة أقرب إلى الحاكم العسكري بل هو المنفذ للاستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة، ولا يبتعد السفير الأمريكي في صنعاء عن نظرائه في بقية الدول العربية، بل نجده أشد وأقوى من سواه لأنه الأقرب من محيط المصالح الأمريكية في المنطقة. لذا نجده أكثر تجاوزا لحقوق السيادة اليمنية وأكثر تبجحا وبلطجة باعتباره الآمر الناهي، إذ يعتبر نفسه صانع عملية التسوية في اليمن وسيفرض على اليمنيين الالتزام الدقيق لتنفيذ المبادرة الخليجية، ويصرح فايرستاين بدون علم وزارة الدفاع بأنه سيقوم بهيكلة القوات المسلحة والأمن كما يعتبر نفسه مرشداً وخبيراً في محاربة القاعدة، ولديه مصادره الخاصة كما عمل سابقوه من السفراء الأمريكيين، وبأمره تصول وتجول الطائرات الأمريكية بدون طيار وتضرب أهدافها، أينما تشاء، وكثيرا ما تصيب المدنيين الأبرياء في تجاوز فظيع لحقوق وكرامة الإنسان اليمني لقد قامت الثورة تحت سمعه وبصره بل هو موجهها، فكان الفرقاء حينها يزورون مقر السفير الأمريكي أكثر من زيارتهم أقرباءهم، حتى وضعت اليد الأمريكية بصمتها على مجريات الوضع السياسي في اليمن، تماشياً مع مصالح من لديهم المصالح الأمريكية، وخلف هذا يصرح فايرستاين الشطاح النطاح أن الوحدة فريضة من الله، وأن على الحراك الجنوبي العودة إلى بيت الطاعة، وأن العدو الأكبر لليمنيين والعالم كله هي إيران وفقا لتعليمات أهل المصالح، كما يصرح الحاكم العسكري الأمريكي (فايرستاين) أن الهيكلة عملية طويلة وستبقي على حاكم عسكري محلي عدة سنوات بل نظنها عقوداً نتيجة لاستراتيجية متينة تضعها أمريكا لبناء جيش وطني يمني، والمذهل نراه يصرح اليوم أن الرئيس البيض تحت المراقبة، وكأن سيادة السفير مشرف على صغار الطلاب في الامتحانات، كما يهدد البيض بعقوبات محتملة، فهو بذلك يسيئ للشعب الجنوبي لأنه لا يرى الساحات الجنوبية في انتهاك واضح لحق الشعب الجنوبي وللقوانين والعهود الدولية المقررة في مواثيق الأممالمتحدة، خاصة فيما يخص حق الشعوب في تقرير مصيرها، فإذا قنع وخنع الإخوة في الشمال بسلوكيات وتجاوزات السفير الأمريكي في صنعاء، وتنازلوا عن بعض حقوقهم الإنسانية في الحياة، فقرار الشعب الجنوبي كما رسمه في طريقه لن يسمح لسعادة السفير بأن يُصرح نيابة عنه، ولن يُقرر ما يريده هذا الشعب تجاه مصيره المحتوم الذي سيصنعه بيده لاستعادة دولته. والله ولي التوفيق