يدفع القائد محمد قحطان من حياته وحريته ثمن المبادئ التي آمن بها وناضل من أجلها طوال حياته، ثلاث سنوات، بينما يبدي رفاقه من السياسيين عن قضيته صمتاً لا يليق بتاريخ من النضال والعمل المشترك. قحطان كان أكثر من سياسي، ومن معرفتي الشخصية بهذا العملاق كان "فيلسوفا ومنظراً" يدهشك بقراءاته النوعية والواسعة والمتنوعة وتأملاته العميقة، ولهذا تراودني ف يأحيان كثيرة أن مجايليه من السياسيين، الذين أصبح كثير منهم مسؤولين في الدولة التي ضاعت من الجميع، يغارون حتى من مجرد ذكره وهو قيد الإخفاء ومصيره مجهول.
لا يقبل قحطان أن تطرح له فكرة بطريقة سطحية وعابرة ويمر عليها، لا بد أن تكون مستعداً للإجابة على كل الأسئلة التي يطرحها لك حول الفكرة. تجلس إليه فتشعر أنه الصديق والأب والمعلم الذي لا يضع حاجزاً بينه وبين من يتعامل معهم مهما كان مستواهم أو سنهم.
ومن بين قيادات الإصلاح كان صوت قحطان الأكثر إزعاجاً للرئيس السابق صالح لأنه يعلم مدى حضور الرجل في أوساط جماهير الحزب وفي أوساط النخب والسياسيين الذين كانوا يجدون أنفسهم مشدودين لما يصدر عنه باعتباره جبهة متقدمة للعمل السياسي والحزبي.
انتمينا سياسياً للتجربة التي مثلها قحطان كسياسي ظل صوته قوياً وحافظ على نظافة يده وقلبه، ووضع حاجزاً فولاذياً بينه وبين خزينة الحاكم، وجيوب هوامير التجارة، وامتنع طيلة مشواره في المجال العام عن التربح الشخصي على حساب المبادئ التي يحملها.. كان الإنسان وكرامته حريته هو الهم الأول والأكبر لقحطان السياسي والقائد والإنسان.
يملك الرجل رؤية وطنية واضحة ومع سعة علاقاته ومرونته إلا أنه لم يكن يصل إلى التفريط بما يرى أنه ثوابت وطنية ولهذا كان من أوائل من يدركون خطر الإمامة وكان يرفض بشكل قاطع التعاون مع الجناح الناعم للإمامة الذي كان يستقطب كثير من السياسيين إلى جلسات التسويق لها في طيرمانات الجراف وصنعاء القديمة.
وجد قحطان نفسه في معترك الشأن العام منذ كان فتى في مقتبل العمر وخاض غماره بجدارة واقتدار، وعلى طريقة الكبار لا يستثقل أن يعترف بأخطاء وقع فيها بشكل فردي أو ضمن منظومة العمل السياسي التي ينتمي إليها.
كان الأجانب من الباحثين والصحفيين يحرصون كل الحرص على أن يلتقوا قحطان عندما يزورون صنعاء لأنهم يجدون أن الرجل يقول كلاماً مختلفاً ويشرح الوضع بطريقة موجزة وواضحة.
أفرج الحوثيون عن كثير من قيادات الإصلاح الذين اختطفوهم بعد استكمال الإنقلاب، لكنهم يتمسكون بقحطان بل ويصرون على الإبقاء عليه قيد الإخفاء القسري، لأنهم يشعرون أنهم بإخفائه يوجعون الإصلاح ويوجعون قطاعاً واسعاً من اليمنيين الذين يؤمنون بالمبادئ التي يحملها قحطان كرمز ارتبط بواحدة من أنصع نماذج العمل السياسي المتجاوز للأيديولوجيات في المنطقة العربية "اللقاء المشترك".
ثلاث سنوات على اختطاف قحطان وتغييبه، ومع ذلك تبقى السياسة قيد الإخفاء القسري مع قحطان، ويبقى مستقبل السلام مجهولاً مادام قادة المليشيات يصممون على اختطاف وتغييب واحد من أكثر اليمنيين قدرة على الحوار وإنتاج الأفكار.