كنت أقرأ دوما ترجمات كثيرة لقصيدة الأرض اليباب ،القصيدة التي كتبها يوما الشاعر الإنجليزي " ت. س. إليوت " عقب دمارٍ كبير بداية القرن العشرين ، إزاء خيبة الأمل التي تعرض لها جيلٌ بأكمله بعد الحرب العالمية الأولى . القصيدة التي نشرها سنة 1922م تحديدا ولم يقرأها اليمنيون حينها للأسف أو حتى يسمعوا بها ، وأقول سنة لأنها على ما يبدو كانت سنينا عند الجميع آنذاك ، ولم تكن أعواما ! هو أيضا لم يكن يعلم بهذه الأرض التي أُسقِط الآن نصه عليها ، لأنها ببساطة لم تكن تتعدى أبعد من قبضة الإمام ، فالدنيا عندهم لم تكن تتجاوز رؤوسهم والتفكير بالحياة وإمكانيتها .
الآن وأنا أرى ما حولي من دمار ، وقد تكرر الموت والخراب وعاد الإمام ، وأصابتنا ذات الخيبة ، يخطر ببالي أنني أرى ترجمة النص صورة لا حروفا ، ويخال لي أنه كان يكتب عنا الآن ، وأنها لم تكن قراءة لما حدث وحسب ، بل نبوءة شاعر لما سيحدث و يتكرر من بعد في أي أرض ستطؤها الخيبة ويعشعش الظلام في أرجائها، لأرض ٍ كان اسمها في الكتاب المبين أرض الجنتين فصارت أرضا يبابا ، يا له من تضاد عجيب !!
الآن وأنا أقرأ قصيدته وهو يقول :
إبريل يا أقسى الشهور
سأريك الخوف في قبضة غبار ...
أسمع أقدام تلك الحروف ، وهي تجول الخراب الذي كان جنة ، تحدّق فيه وتسأل : ماذا تبقى لهم ؟!! هاهم اليوم يمسكون بقداحات الجنون ، يحرقون العقول التي كان يمكن لها أن تنبت يوما ، إذا ما أقلّت سماء المدينة غيما مليئا بحب الحياة ، وأمطرت الحلم..العقول التي كان يمكن أن يصنع الوقت منها سفنا ، تقلُّ الحياة على أرضنا ، كي تكون ولو بعد حزن طويل ، يعبثون بأشيائها ، ينزعون مسامير أحلامها كي تضِل ، ثم لا يسألون !
أي جرمٍ فظيع ٍ تقومون به أيها الغافلون !! القاتلون !! تزفون أبناءنا للظلام ، تقتلون العقول ، ولا تكتفون بقتل القلوب!
من سيمسك بيد الذين كسرتم مجاديف أيامهم دون ذنب ؟ من سيرفع عنهم بلاء الهزيمة كلّما وقع الفأس ، وازداد عمق الضياع بأيامهم ؟!
ختاما: من سيخبر "إليوت" أن إبريل ليس أقسى الشهور وأنها أصبحت كلها قاسية.