البنك المركزي بصنعاء يوجّه بإعادة التعامل مع شركتي صرافة    القوات الإماراتية تبدأ الانسحاب من مواقع في شبوة وحضرموت    في لقاءات قبلية مهيبة.. محافظة حجة تجدد العهد للقيادة وتؤكد ثبات الموقف مع فلسطين    أمن الصين الغذائي في 2025: إنتاج قياسي ومشتريات ب 415 مليون طن    الأرصاد: طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم المرتفعات    هيئة علماء اليمن تدعو للالتفاف حول الشرعية والوقوف إلى جانب الدولة وقيادتها السياسية    لامين جمال يتصدر أغلى لاعبي 2025 بقيمة سوقية 200 مليون يورو    محافظ البيضاء يتفقد سير العمل بمشروع تركيب منظومة الطاقة الشمسية بمؤسسة المياه    القواعد الإماراتية في اليمن    هزة أرضية بقوة 4.2 درجة قبالة شواطئ اللاذقية    مواجهة المنتخبات العربية في دور ال16 لكأس إفريقيا 2025    عقول الحمير والتحليلات الإعلامية: سياسي عماني يفضح المزاعم حول المؤامرة الإسرائيلية في الجنوب    الترب:أحداث حضرموت كشفت زيف ما يسمى بالشرعية    السعودية والإمارات سيناريوهات الانفجار الكبير    الجنوب ساحة تصفية حسابات لا وطن    وفاة المهندس هزام الرضامي أثناء قيامه بإصلاح دبابة جنوبية بالخشعة بوادي حضرموت    الحلف يدعم خطوات المجلس الانتقالي ويؤكد على شراكة حقيقية لحفظ الأمن الإقليمي    مباريات ثمن نهائي كأس الأمم الأفريقية    رئيس مجلس القيادة يطالب بموقف دولي موحد تجاه التصعيد الأخير للانتقالي    مصر تؤكد دعمها لخفض التصعيد في اليمن وتوجه دعوة ل"الرياض وأبوظبي"    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمم بإعادة وإيقاف التعامل مع شركات صرافة    مجلس الوزراء السعودي يناقش الوضع في اليمن والصومال ويوجه دعوة للامارات    اتحاد حضرموت يتأهل رسميًا إلى دوري الدرجة الأولى وفتح ذمار يخسر أمام خنفر أبين    الافراج عن دفعة ثانية من السجناء بالحديدة    ضبط متهمين بقتل شخص وإصابة اثنين قرب قاعة الوشاح    وزارة الاقتصاد والصناعة تحيي ذكرى جمعة رجب بفعالية خطابية وثقافية    خلال 8 أشهر.. تسجيل أكثر من 7300 حالة إصابة بالكوليرا في القاعدة جنوب إب    الأرصاد يحذر من تشكّل الصقيع ويدعو المزارعين لحماية محاصيلهم    توجه حكومي لحماية الصناعة المحلية: تسجيل 100 مشروع جديد وفريق فني لحل إشكالات الضرائب    المعادن النفيسة تسترد عافيتها: الذهب يصعد 1% والفضة تقفز 3%    نائب وزير الثقافة يزور الفنان محمد مقبل والمنشد محمد الحلبي    الصحة: العدوان استهدف 542 منشأة صحية وحرم 20 مليون يمني من الرعاية الطبية    الصحفي والأكاديمي القدير الدكتور عبد الملك الدناني    سفر الروح    بيان صادر عن الشبكة المدنية حول التقارير والادعاءات المتعلقة بالأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل والخدمة المدنية والتأمينات    فريق السد مأرب يفلت من شبح الهبوط وأهلي تعز يزاحم على صدارة تجمع أبين    النفط يرتفع في التعاملات المبكرة وبرنت يسجل 61.21 دولار للبرميل    لملس يناقش أوضاع المياه والصرف الصحي ويطّلع على سير العمل في المشروع الاستراتيجي لخزان الضخ    لوحات طلابية تجسد فلسطين واليمن في المعرض التشكيلي الرابع    الصين تدعو إلى التمسك بسيادة اليمن ووحدة وسلامة أراضيه    قراءة تحليلية لنص "من بوحي لهيفاء" ل"أحمد سيف حاشد"    إدارة أمن عدن تكشف حقيقة قضية الفتاة أبرار رضوان وتفند شائعات الاختطاف    بسبب جنى الأرباح.. هبوط جماعي لأسعار المعادن    تكريم البروفيسور محمد الشرجبي في ختام المؤتمر العالمي الرابع عشر لجراحة التجميل بموسكو    مرض الفشل الكلوي (34)    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    الهوية والوعي في مواجهة الاستكبار    فلسطين الوطن البشارة    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسابات إعادة التموضع بين الرئيس والجنرال
نشر في المصدر يوم 17 - 07 - 2010

في أحايين كثيرة، لا يكون في وسعك –كقارئ للأحداث- توصيف مشهد سياسي بشكل دقيق، أو عرض رؤية تحليلية معمقة، بالركون إلى فرضية القراءة المجردة للأحداث المحلية بمعزل عن التداخلات الإقليمية والتأثيرات الدولية..

استعصاء بعض جزئيات المشهد المحلي على القراءة السليمة يدفعك عادةً للبحث عن زوايا أخرى للرؤية تكفل إكمال معالم الصورة بأبعادها الحقيقية..

في تعقيدات المشهد اليمني، يحتاج المرء أحياناً لتوسيع دائرة الرؤية لاستجلاء ما قد يبدو للوهلة الأولى مفعماً بالطلاسم وعصياً على الفهم والاستيعاب..

قراءة المشهد من مختلف الزوايا والأبعاد، وتحديداً البعدين الإقليمي والدولي، أسلوب ناجع يؤدي انتهاجه عادةً إلى تحقيق رغبة الإزالة للطلاسم البادية في عمق المشهد المحلي..

تأسيساً عليه، يمكننا أن نزعم بأن ثمة تغييرات ما فتئت تتشكل ببطء في تفاصيل المشهد المتجدد، وهي تغييرات –كما نزعم أيضاً- ناتجة عن مساعي الأطراف المعنية لإعادة التموضع وفق تكتيكات جديدة تحقق الغايات الفردية والكلية للأطراف المعنية..

بالنسبة للرئيس علي عبدالله صالح مثلاً، ثمة تركيز لافت على إعادة التموضع خارجياً، بترتيبات مغايرة ترنو لتحقيق غايات كثيرة ليس أولها تعطيل التسارع الحثيث لمخططات الإخضاع والتقويض التي تتخذ من الوصاية الدولية عنواناً لها.. وليس آخرها هموم إنجاح التوريث المتزامنة مع رغبة التنصل عن الالتزامات للداخل والخارج التي بات تثاقلها يتعاظم بالتقادم..

بعكس الرئيس، يبدو الجنرال علي محسن الأحمر مستغرقاً في إعادة التموضع داخلياً باستخدام كل ما هو متاح من أوراق ونقلات..

استغراقه هذه المرة يبدو مختلفاً في جوانب كثيرة عن محاولات سابقة لإعادة التموضع؛ الدقة في اختيار التوقيت، مجاراة الرسائل الغربية المشفرة منها والمباشرة، استغلال الأخطاء الفادحة التي يرتكبها الأولاد (نجل الرئيس وأبناء عمه)، عناوين متعددة تؤكد في المجمل كثافة التحديثات الطارئة على تكتيكات الرجل الذي عصرته التجارب وصقلته الأحداث..

في تفاصيل المشهد، يحاول الأولاد مغادرة مستنقع الأخطاء الناتجة عن حداثة عهدهم بممارسة جانب واسع من السلطات المطلقة..

منزلق الأزمة مع قبيلة عبيدة في مأرب - الناتج عن تلك الأخطاء- كان سبباً رئيسياً في سعي الأولاد لابتكار تموضع جديد بعد الفشل الذريع في بعض الملفات، مع ترك الرجل الأول ليؤدي دوره المعتاد كمصحح لأخطائهم ومصلح لما أفسده تسرعهم، ومطفئ للحرائق التي أشعلوها، ومعالج للأزمات التي صنعوها.. كل ذلك طبعاً بطريقته الخاصة..

سعي الأولاد لابتكار تموضع جديد يتوازى مع بحثهم عن انجازات بديلة في ملفات العلاقات مع الغرب التي أعيد توزيعها بمقتضى التكتيك الصالحي المُستحدث..

صفقة الأسلحة الروسية، التحليل الأميركي الأخير حول ضعف شخصية احمد علي عبدالله صالح، زيارة الوفد العسكري البريطاني، الظهور الإعلامي المكثف للجنرال علي محسن.. مداخل متعددة سنعبر من خلالها في محاولة للوصول إلى صورة أكثر وضوحاً عن تطورات مشهد حافل بنقاط التباين والالتقاء..

* رسالة سياسية أم تحليل صحفي
كلما حاول الصحافيون في بلادي، النأي بأنفسهم عن الخوض في ملف التوريث، باعتباره من الملفات الملغومة التي تُلقي بمن يتناولها في غياهب السجون، تأبى المستجدات والإضافات الطارئة من حين لآخر، على هذا الملف الشائك، إنجاح محاولات التهرب تلك، ليجدوا أنفسهم –كناشرين ومحللين وقارئي احداث- مجبرين على الخوض مجدداً في تفاصيل مشهد لا يبارحه التجدد..

بالتالي لم يكن في وسع الصحافة المحلية –حسب ما سبق- تجاهل تحليل سياسي كذلك الذي أوردته مجلة (ناشيونال انترست) الأميركية عن ملفات التوريث في العالم العربي لمسببات لعل أبرزها تضمنه لجديد غير مألوف بخصوص شخصية الوريث اليمني أحمد علي عبدالله صالح..

إذ جرت العادة في التقارير والتحليلات الغربية حول التوريث وتحديداً الأميركية منها، عدم الإغراق في تفاصيل من شأنها إظهار ولاة العهد المفترضين كعديمي قدرة أو فاقدي أهلية لخلافة آبائهم في السلطة..

التحليل الأميركي الأخير، في تناوله للوريثين المصري جمال مبارك والليبي سيف الإسلام القذافي، لم يختلف عن تحليلات سبقته، بل جاء متوافقاً معها إلى حد كبير، وبالأخص في نمط ترتيب الأفكار وأسلوب الطرح الذي يحاول عرض المشهد بتكنيك الإمساك بالعصا من المنتصف تجنباً للظهور –أمام القارئ غير المحترف- في إحدى حالتين: إما الترويج لمشاريع التوريث عبر الاستغراق في تعداد المزايا والصفات الإيجابية ونقاط القوة وعوامل النجاح، وإما مناهضة مشاريع التوريث ومعارضتها عبر التركيز على جانب الصعوبات وحشد النعوت والأوصاف السلبية وتجميع نقاط الضعف وعوامل الفشل..

في تناوله لشخصية الوريث اليمني احمد علي عبدالله صالح، بدا واضحاً تخلي الكاتب عن تكنيك الموازنة بين طرفي العصا، وبدا أيضاً حريصاً على الاقتراب من أحد الطرفين بصورة تكفل إحداث ترجيح طفيف لهذا الطرف دون التسبب في إسقاط العصا..!

عبارات من نوع: أضعف أولياء العهود، لا يحظى بتأييد كبير، يفتقر للقوة المناسبة، ليس ذكياً، كانت كفيلة بإيصال القارئ إلى نتيجة (فشل مشروع التوريث في اليمن) لولا أن الكاتب استدركها بعبارات ختامية من نوع: نجح في اختراق الجيش، تضاعف نفوذه بين رجال الأعمال والأوساط الحكومية، وضعه يزداد قوة عاماً بعد عام.. وهي عبارات حالت دون تكريس فكرة (فشل المشروع) لدى القارئ عبر ربطها بقادم المستجدات وجعلها مرهونة بتطورات الأحداث..

ببساطة: لقد كان التحليل عبارة عن رسالة سياسية بامتياز، لكن ما فحواها؟ ولمن هي موجهة؟ وما مناسبتها؟ تساؤلات عديدة إجابتها تتطلب وقوفاً اضطرارياً مؤقتاً لقراءة المشهد من زاوية مختلفة..

* ورقة الاتجاه شرقاً
يدرك الرئيس علي عبدالله صالح أن هلال التوريث في اليمن لا يمكن له التحول إلى بدر مكتمل دون ضوء أخضر من الدوائر الراسمة والمحددة لاتجاهات السياسة الخارجية الأميركية..

غير أنه في الوقت عينه يرنو للحصول على ذلك الضوء دون التخلي عن ورقة يخالها أساسية في تكريس فرضية الديمومة لنظامه، ألا وهي: القدرة على الاتجاه شرقاً صوب روسيا، التي يستميت ليس في الاحتفاظ بها فحسب، بل ونقلها إلى نجله كإحدى المقتنيات الهامة في التركة الوراثية..

رغم أن الرئيس صالح يعي مدى الرفض والانزعاج الأميركي من إصراره على الاحتفاظ بهذه الورقة ونقلها إلى خليفته المتأهب، إلا أنه وفق شواهد الواقع لا يبدو مستعداً للتخلي عنها حتى لو جسدت شرطاً للحصول على الضوء الأخضر المنشود..

تمسك الرئيس بهذه الورقة له مبررات عديدة، أبرزها الخشية من التماهي الأميركي المتزايد مع الأجندة البريطانية الرامية إلى نقل (الوصاية الدولية على اليمن) من مجرد عبارات وتوصيات وقرارات ضُمنت في مؤتمر لندن الأخير إلى واقع عملي

* تقليم أظافر الوصاية الدولية
في فترات منقضية، بدا صالح منجذباً نحو أميركا بشكل لافت لدواع كثيرة يتصل أبرزها برغبة التوريث.

بإجراء ربط سريع للأحداث، يمكن القول بأن الرجل لم يكن يتوقع إطلاقاً موافقة أميركا على إيقاعه في شرك الاستدراج نحو مربع (الوصاية الدولية) بذريعة مكافحة الإرهاب..

لقد كان ذلك الاستدراج الغادر درساً سياسياً تمكن صالح من استخلاصه سريعاً في لحظات إدارته للأزمة الناشئة عن الوقوع في مطب الوصاية الدولية..

عقب وصوله إلى مستويات متقدمه من إعادة ترتيب الأوراق ونجاحه الجزئي في تقليم بعض أظافر مشروع الوصاية، لم يجد الرجل بداً من استخدام ورقته الأثيرة الرابحة، ليبرم بذلك صفقةً تاريخية بأكثر من ملياري دولار مع روسيا الاتحادية لتحديث الحرس الجمهوري وبعض قطاعات الجيش ذات الولاء المطلق..

تنفيذ الصفقة –إن تم- بقدر ما يجسد تقويضاً جديداً لمشروع الوصاية القائم، فإنه يعني عدم قدرة الأوصياء على إعادة تشكيل النظام السياسي حالياً أو في مرحلة ما بعد علي عبدالله صالح دون موافقة أو بالأحرى مشاركة وتمثيل لروسيا الاتحادية..

* ورقة رابحة دائماً
استخدام صالح لورقة (الاتجاه شرقاً) لا يعد الأول من نوعه، إذ سبق للرجل أن استخدمها عشرات المرات للخروج من تموضعات حرجة وابتكار أوضاع جديدة على خارطة التوازنات الخارجية..

هنا لعل مراقبي الشأن المحلي لا زالوا يتذكرون طريقة المعالجة التي اعتمدها صالح في مواجهته لحشد الأساطيل الغربي المهول الذي تجمع في خليج عدن بذريعة مكافحة القرصنة الصومالية..

يومها حزم الرجل حقائبه باتجاه "الكرملين" ليبحث مع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين ضرورة وجود أسطول حربي روسي في خليج عدن، وتردد حينها أن صالح عرض على بوتين إقامة قاعدة عسكرية تكتيكية تابعة للجيش الروسي في جزيرة سقطرى، وهو ما دفع الأميركان للقيام بسلسلة لقاءات وتقديم تطمينات لتبديد المخاوف اليمنية من الأساطيل المحتشدة وذلك في سبيل الحيلولة دون إكمال صفقة القاعدة العسكرية الروسية في سقطرى..

* رد أميركي على صفقة السلاح الروسية
تأسيساً عليه، يمكن تقديم الفرضية التالية: التحليل الاميركي الأخير حول ضعف شخصية الوريث أحمد علي عبدالله صالح ما هو إلا جزء من رد تلقائي على الصفقة العسكرية التاريخية التي أبرمها الرئيس صالح مؤخراً مع روسيا الاتحادية..

الوضع هنا شبيه –إلى حد ما- بالرد الذي يلجا إليه لاعب الشطرنج المحترف حين يُباغت بنقلة نوعية قد تحدث فرقاً في مجريات الأحداث على مربعات الرقعة..

كنه الرسالة الأميركية ببساطة: نحن من يملك أدوات تمرير مشروع التوريث وعوامل الإطاحة به ولن تنجح بدوننا..!

* توزيع المهام بين الأولاد
لم يكن وصفاً استفزازياً او تهكمياً ذلك الذي خلعته مجلة النيوزويك على الرئيس اليمني.
فالرجل أثبت قدرة واضحة على المراوغة والتلاعب وإعادة التموضع ومواجهة أعتى الطبخات الاميركية تفخيخاً وتعقيداً..

في تعاطيه مع الأوصياء (اميركا وبريطانيا) مثلاً، استطاع الرجل أن يتعامل ببراعه لتقليص التداعيات المترتبة على وضع نظامه في مؤتمر لندن تحت طائلة الوصاية، متبعاً بذلك منظومة من التكتيكات استهلها بالاتجاه شرقاً وختمها بإعادة توزيع ملفات السياسة الخارجية بصورة تكفل تعزيز الاعتقاد السائد حول وجود اتجاه في قلب النظام الحاكم (الأولاد) لا يحبذ الأساليب الصالحية المتلاعبة بالغرب..

وفق ما هو طاف على مسرح الأحداث، بالإمكان تلخيص إعادة توزيع ملفات السياسة الخارجية في عنوانين رئيسيين، الأول: منح الوريث احمد سلطة الإشراف العام على إدارة دفة العلاقات الخارجية مع الولايات المتحدة الاميركية والدول الغربية بشكل عام، والثاني: احتفاظ الرئيس صالح بإدارة ملف العلاقات مع روسيا الاتحادية والصين وبعض الدول العربية وفي مقدمتها السعودية وليبيا وقطر..!

في تفاصيل العنوان الأول، ثمة ما يحفز على التوقف، فالواضح أن أحمد لا يدير الملف بنفسه بل بالاشتراك مع باقي الورثة من أبناء العمومة، فالشقيقان عمار ويحيى محمد عبدالله صالح، ينوبان عنه في إدارة الملف الفرنسي من الناحيتين الأمنية والتجارية وينوبان عنه أيضاً في إدارة الملف الأميركي من الناحيتين الأمنية (الاستخباراتية) والعسكرية..

* تعارض النفوذ الفرنسي مع الأجندة البريطانية
ما حصلت عليه فرنسا حتى الآن من تنازلات وإغراءات بإشراف الأولاد يحتمل قراءات متعددة..

إذ مُنحت تسهيلات عسكرية كبيرة في الجزر اليمنية المطلة على البحر الأحمر والمجاورة لمضيق باب المندب (قواعد عسكرية غير تكتيكية)، كما جرى تعزيز نفوذها الاقتصادي عبر شركة توتال للغاز والنفط، وحظيت أيضاً بتنازلات كانت كفيلة بإغلاق ملف الطائرة اليمنية المنكوبة التي نقلت أنباء حينها أنها أُسقطت بصاروخ عسكري فرنسي..

حسب راهن المعطيات، فمبررات ما حظيت به فرنسا تؤكد حقيقة أمرين، الأول: تعزيز الاعتقاد السائد بوجود اتجاه لدى الأولاد مغاير لاتجاه الرئيس، والثاني: تحقيق رغبة النظام في استمالة فرنسا واستخدامها كأداة أوروبية ضاغطة لفرملة الاندفاع البريطاني صوب مشروع الوصاية الدولية..

إذ من حق فرنسا –في بروتوكولات العلاقات بين القوى العظمى- أن تتدخل للحفاظ على دورها النفوذي المتنامي في هذه المنطقة الحيوية من العالم، وهو نفوذ قد يتعارض مع السيناريوهات البريطانية المُعدة لإعادة تشكيل النظام اليمني..

* قلق بريطاني من الصفقة الروسية
رد الفعل الغربي على صفقة الأسلحة الروسية اليمنية، لم يقتصر على ذلك التحليل السياسي غير المتوقع حول نجل الرئيس..

إذ كان مفاجئاً قيام نائب رئيس أركان الجيش البريطاني بزيارة غير معدة سلفاً إلى صنعاء برفقه وفقد عسكري بريطاني رفيع المستوى..

الوفد البريطاني الذي ضم نائب رئيس الأركان للشؤون العسكرية ونائب رئيس الأركان للشؤون السياسية، لم يُجري مباحثاته مع رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش اليمني أو نوابه..

إذ التقى الوفد بوزير الدفاع بضع دقائق قبل ذهابه مباشرة للقاء العميد أحمد علي عبدالله صالح قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة..!

ملابسات الزيارة، وتوقيتها، والمستوى القيادي الرفيع للوفد، كل ذلك يجعلنا لا نستبعد ارتباط الزيارة بصفقة الأسلحة التي أبرمها الرئيس مع روسيا، تماماً مثلما لا نستبعد أيضاً اقتناع البريطانيين بأن اتجاه الرئيس نحو الشرق لا يعبر عن قناعات نجله وباقي الأولاد باعتبارهم حلفاء استراتيجيين للغرب..

المستوى القيادي الرفيع للوفد أوعز لكثير من مراقبي الشأن الداخلي بانطباع مفاده أن مهمة الوفد الأساسية تتلخص في الإعداد لإبرام صفقة أسلحة بديلة إذا ما نجح نجل الرئيس في إقناع والده بالعدول عن صفقة تحديث الحرس الجمهوري المبرمة مع روسيا..

* علي محسن يتحرك بذكاء
كان توقيتاً ذكياً ذلك الذي اختاره الجنرال علي محسن الأحمر للقيام بتحركات نوعية مدروسة ومنظمة تؤكد أنه مازال رقماً صعباً وفاعلاً في مجريات الأحداث على الساحة المحلية..

فالعلاقة بين صالح وأميركا تعيش فواصل من المد والجزر، والأميركيون يلوحون بحجب الضوء الأخضر عن مشروع التوريث، والأولاد غارقون في مستنقع ضحل من الأخطاء الفادحة التي كان آخرها اغتيال نائب محافظ مأرب..

في أجواء كهذه، لم يكن في وسع قيادي محنك يجيد قراءة الأحداث واستلهامها في سياقها الطبيعي، كعلي محسن، ترك فرصة مواتية كهذه لاستعادة أدوار انتُزعت منه بفعل التغييرات الطارئة على حصص القوة والنفوذ في الجيش والدولة..

يدرك علي محسن متى يتحرك بالضبط، لذا عادةً ما توحي تحركاته بأن ثمة تنسيقاً خفياً وترتيبات غير ظاهرة مع الولايات المتحدة الاميركية ربما عبر الجناح (السلطاني) في مملكة آل سعود المرتبط بتحالف استراتيجي مع الرجل..

* تبادل الرسائل المشفرة
لنتأمل في تفاصيل المشهد التالي: تحليل سياسي أميركي يتحدث عن ضعف شخصية احمد علي عبدالله صالح، يأتي على ذكر علي محسن الأحمر كخيار قادر على تجسيد دور البديل المفترض للرئيس علي عبدالله صالح.. يتزامن ذلك مع تحركات مدروسة للجنرال وظهور إعلامي مكثف ولافت..

سبق لبعض التحليلات السياسية الأميركية وتحديداً الصادرة في مراحل برود العلاقات بين الرئيس صالح وأميركا، أن قدمت اللواء محسن كشخصية تملك مقومات كثيرة لتغطية أي فراغ قد يطرأ في موقع الرجل الأول باليمن..

المثير أن محسن ظل بارعاً في تعاطيه مع تلك الإشارات الذكية وما تحويه من رسائل مباشرة ومشفرة، إذ لم يكن يُظهر أي تطلع للجلوس على كرسي رئاسة الجمهورية بالتوازي مع إبراقه لرسائل وإشارات عكسية تؤكد الاستعداد لأي تعاون ثنائي مع الأمريكان..

لقد جسد لقاء علي محسن ببعض القيادات العسكرية الأميركية قبل سنوات، نقطة تحول إيجابية تسببت –وفق بعض المصادر- في تبديد جانب معين من الانطباع الأميركي السائد عن محسن وفرقته العسكرية..

* التخلص من الأسلوب القديم
في تحركاته الأخيرة (الدخول على خط الوساطة بين قبائل عبيدة وبلحارث والتغطية الاعلامية المصاحبة)، لم يثبت الجنرال محسن قدرة لافته على انتقاء التوقيت المناسب فحسب، إذ بدا واضحاً حرصه على التخلص من أسلوبه القديم..

فتحركاته في مراحل فائته بقدر ما كانت مؤثرة، ظلت تحاط بهالة من السرية والكتمان ربما لحسابات تتصل بطبيعة العلاقة مع الرجل الأول التي اقتضت آنذاك تجنب الحساسيات التي قد تنشأ عن أي ظهور إعلامي زائد عن حده..!

مؤخراً بات الرجل ينتهج تكتيكاً جديداً عنوانه التحرك المنظم والمدروس بشكل ظاهر ودونما حاجة لهالات السرية والكتمان التي اشتهرت بها تحركاته في السابق..

ببساطة: يحاول اللواء علي محسن أن يبرز في تموضع جديد أكثر تطويراً عن ذي قبل مستغلاً أخطاء الأولاد الفادحة والتغييرات الطارئة في الموقف الدولي من اليمن..

* وماذا بعد
في المجمل، يبدو أن إجراءات إعادة التموضع ستشغل حيزاً واسعاً في أجندة الأطراف المعنية خلال قادم المراحل، بانتظار أي جديد يؤدي لرفع وتيرة التفاعل مجدداً بين عناصر معادلة المشهد المضطربة..

وهو تفاعل –إن رُفعت وتيرته- سيتسبب في إنهاء الهدنة الافتراضية التي منحت الجميع فرصة لالتقاط الأنفاس وحفزت لديهم القدرة على تقييم المواقف بمعزل عن ضغوطات استعار الصراع..

قد تنتهي الهدنة بالصلح وفق صيغة تحفظ مصالح جميع الأطراف (إعادة ترتيب الوضع الداخلي للمركز المقدس)، وقد تستمر الهدنة بصيغتها الحالية دون حسم للقضايا الخلافية الحساسة، غير أن الأرجح وفق تقديرات عدة يتمثل في عودة سيناريو الصراع الذي انتهى لتوه، لكن في قالب جديد وبأسلوب مغاير..!

ترجيح عودة الصراع له ما يبرره، فالجميع –حسب ما هو ظاهر- متمسكون ببقاء القضايا الخلافية بالتوازي مع رفض كل طرف تقديم تنازلات للآخر.. غير أن الاحتمالات رغم كل هذا تظل مفتوحة حتى وإن كان العكس بادياً..

ليس ثمة ما يمكن تأكيده بوضوح مطلق فيما يتعلق بالأوضاع الناشئة عن نجاح أو فشل محاولات إعادة التموضع التي يقوم بها الجميع، لكن مسار الأحداث يُنبئ عن مفاجآت من العيار الثقيل كتلك التي عادة ما تسبق انفجار الموقف، لعله إذن: الهدوء الذي يسبق العاصفة..! طبعاً كل شيء وارد وكفى..
المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.