مكونات حضرموت وشبوة تعلن تأييدها الكامل لقرارات الرئيس وتحمل الانتقالي المسؤولية عن أي تصعيد    الشورى يدعو لاجتماع طارئ لمواجهة تداعيات الاعتراف الصهيوني بأرض الصومال    الجامعة العربية تجدد إدانتها للتحركات العسكرية التي تهدف الى تثبيت واقع انفصالي يُهدد وحدة اليمن    اللقاء الأسبوعي السادس بين الحكومة والقطاع الخاص يؤكد الشراكة في دعم الاقتصاد الوطني    الإمارات ترد على البيان السعودي وتوضح ملابسات شحنة الأسلحة المستهدفة في ميناء المكلا    لجنة معالجة قضايا السجون تواصل جهودها للإفراج عن سجناء الحقوق الخاصة    وزارة الاقتصاد والصناعة تحيي ذكرى جمعة رجب بفعالية خطابية وثقافية    خلال 8 أشهر.. تسجيل أكثر من 7300 حالة إصابة بالكوليرا في القاعدة جنوب إب    الأرصاد يحذر من تشكّل الصقيع ويدعو المزارعين لحماية محاصيلهم    انقسام داخل مجلس القيادة: نصف المجلس يعتبر قرارات العليمي غير دستورية    توجه حكومي لحماية الصناعة المحلية: تسجيل 100 مشروع جديد وفريق فني لحل إشكالات الضرائب    المعادن النفيسة تسترد عافيتها: الذهب يصعد 1% والفضة تقفز 3%    اعلان حالة الطوارئ واغلاق مختلف المنافذ ومنح محافظي حضرموت والمهرة صلاحيات واسعة    مكون الحراك الجنوبي يعلن تأييده لبيان قائد الثورة بشأن الصومال    السيناريو الجديد في حضرموت.. عسكرة الموانئ وانفجار صراع الوكلاء    اتفاق الأسرى.. وخطورة المرحلة    أمريكا تزود الكيان بصفقة طائرات (اف 35)    تأهل 14 منتخبا إلى ثمن نهائي أمم أفريقيا.. ووداع 6    الطيران السعودي ينفذ ضربة جوية في ميناء المكلا    نائب وزير الثقافة يزور الفنان محمد مقبل والمنشد محمد الحلبي    الصحة: العدوان استهدف 542 منشأة صحية وحرم 20 مليون يمني من الرعاية الطبية    الصحفي والأكاديمي القدير الدكتور عبد الملك الدناني    سفر الروح    بيان صادر عن الشبكة المدنية حول التقارير والادعاءات المتعلقة بالأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة    صنعاء.. الحكومة تدرس مشروع برنامج استبدال سيارات المحروقات بالسيارات الكهربائية    صنعاء: الاعلان عن موعد بدء صرف مرتبات نوفمبر 2025    فريق السد مأرب يفلت من شبح الهبوط وأهلي تعز يزاحم على صدارة تجمع أبين    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل والخدمة المدنية والتأمينات    إيران والسعودية تتباحثان حول اليمن ولبنان وتعزيز التعاون الإقليمي    أذربيجان تؤكد دعمها لوحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه    لملس يناقش أوضاع المياه والصرف الصحي ويطّلع على سير العمل في المشروع الاستراتيجي لخزان الضخ    التحالف الإسلامي ينظم دورة حول القانون الدولي الإنساني وعلاقته بمحاربة الإرهاب    النفط يرتفع في التعاملات المبكرة وبرنت يسجل 61.21 دولار للبرميل    صنعاء تحتضن أول بطولة لكرة القدم لمبتوري الأطراف من جرحى الحرب    لوحات طلابية تجسد فلسطين واليمن في المعرض التشكيلي الرابع    الصين تدعو إلى التمسك بسيادة اليمن ووحدة وسلامة أراضيه    تحذير أمريكي: تحولات شرق اليمن تهدد التهدئة وتفتح الباب لصراع إقليمي    إدارة أمن عدن تكشف حقيقة قضية الفتاة أبرار رضوان وتفند شائعات الاختطاف    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع خمس كيانات مصرفية    قراءة تحليلية لنص "من بوحي لهيفاء" ل"أحمد سيف حاشد"    بسبب جنى الأرباح.. هبوط جماعي لأسعار المعادن    المنتخبات المتأهلة إلى ثمن نهائي كأس الأمم الأفريقية 2025    وزارة الصحة: العدوان استهدف 542 منشأة صحية وحرم 20 مليون يمني من الرعاية الطبية    تكريم البروفيسور محمد الشرجبي في ختام المؤتمر العالمي الرابع عشر لجراحة التجميل بموسكو    مرض الفشل الكلوي (34)    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    الهوية والوعي في مواجهة الاستكبار    فلسطين الوطن البشارة    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقارنة بين أحمد علي وجمال مبارك..!
نشر في المصدر يوم 02 - 09 - 2009

في مصر، لا يبدو أن واقع المشهد السياسي قد يُفضي إلى مآل غير ذلك الذي يجري ترتيب أوراقه في الدهاليز السلطوية وبين أروقة قصور الساسة وشاليهات التجار.. مآل لا يحوي في تفاصيله سوى صورة باسمة للوريث جمال مبارك، وهو محاط بثلة تم انتقاؤهم بعناية لتجسيد دور كهنة الفرعون القادم..

المشهد في اليمن، وإن بدا للوهلة الأولى، مشوباً بهالة من التعقيد، إلا أنه في المجمل، يُشاطر المشهد المصري كثيراً من الزوايا ويوافقه في النتيجة أو المآل الذي بات لائحاً في الأفق..

من الواضح، بالمقابل، أن القوى التي تسابق الزمن لبلوغ غاية إحباط مشروعي التوريث، المصري واليمني، لم يحالف جهودهما النجاح ، ربما باستثناء إنجاز مرحلي، يتلخص في إطالة أمد المقاومة الناتج عن تثبيط عجلة تسارع المشهدين، باتجاه المآل الذي للأسف لم يعد محتمل الوقوع، بل محتوماً..!

بالنسبة لقطاع واسع من أحرار مصر، لم يعد السبب (التوريث) رئيسياً ومتفرداً في حملة الرفض، إذ بات تحوله لواقع محتوم دافعاً لتخليق مسببات أخرى تعزز من قناعة رفض المشروع وتنمي الحس الإدراكي لدى العامة، بكونه يؤصل لاستمرار واقعهم المزري ويضيف إليه تفاصيلاً أكثر مأساوية..

فعبارة "نجل الرئيس" الدالة على (التوريث) لم تعد سلاحاً كافياً لمجابهة النشاط المتزايد الذي يؤديه جمال مبارك، بالتوازي مع تحركات جماعته التي تَكثف دأبها –مؤخراً- لتخطي عقبة (التثبيط) ودفع المشهد صوب أعتاب النهاية المحتومة..

من هنا وجد مناهضو المشروع ضرورة الارتقاء بمساعي الرفض، إلى مستوى تلك التحركات، بجعل الوريث موضع تقييم دائم، تماماً كما هو حال أنشطته، لاستخلاص أسباب أخرى غير أسطوانة "نجل الرئيس والتوريث" لتبرير رفض المشروع..
لتبدأ بذلك صحافة مصر الحرة في إخضاع جمال شخصياً وعملياً للتحليل، المصحوب بنقاشات جادة وتتبع متواصل لأسرار لقاءاته واجتماعاته الخاصة منها والعامة، وهو ما أدى إلى تسليط الأضواء على مبررات جديدة تؤكد عدم أهلية الوريث وتعزز بالتالي من الرفض للمشروع..

كما هو متوقع، كان غضب الوريث من ذلك التقييم، دافعاً لتصحيح أخطائه والعمل على إزالة السلوكيات والممارسات التي تسببت في تعزيز القناعات بكونه لا يملك الأهلية لحكم البلاد..

أفضت المحصلة، لتحقيق مكاسب، ربما لم تكن واردة في خانة التوقعات لدى مناهضي المشروع، بالإمكان هنا تلخيص أبرزها في أمرين، الأول: نجاح المناهضين في خلق وعي جماهيري أدى لاتساع رقعة المناهضين. والثاني: إجبار الوريث على الرضوخ لنواتج التقييم، بل وإزالة سلبياته وأخطائه، وهو أمر في حال غدا التوريث واقعاً ماثلاً، سيؤدي لبروز حكم جمال في صورة تحقق أدنى التطلعات وتكفل إيجاد واقع أقل قتامة من الوضع الجاثم..

تكتيك مرحلي

يمنياً، يبدو من التسطيح، مجاراة أولئك الذين يشيرون إلى رغبة الرئيس علي عبدالله صالح في عدم إكمال السيناريو إلى المآل المنتظر، تجميد صلاحيات أحمد وإيداعه في مربع الترقب والحد من تحركاته، كل تلك أحداث ليس في وسعها تجسيد دور الدليل الإقناعي الكافي لموافقة أرباب الزعم السابق..

فتجميد الصلاحيات والتحركات، بالنسبة لذوي القراءات الفاحصة، ما هو إلا تكتيك مرحلي مفروض لمواجهة من أضحى العزف على وتر الأزمات ديدنهم للتعبير عن رفض المشروع، وبالأخص مالكي القدرة على التحرك والفعل..!

هدوء العميد أحمد صالح، الخارج عن إرادته، لا يعد، بالمقابل، مبرراً للاكتفاء بعبارة "لا للتوريث"، والركون إلى الترقب والانتظار ومن ثم الاستيقاظ على وقع المفاجأة، التي ستكون وقتئذ غير قابلة للتعديل..

إن اقتفاء أثر أحرار مصر، في إخضاع الوريث لطائلة التقييم، أمر واجب الحدوث لأسباب لعل أبرزها وأعلاها شأناً، الفارق الجوهري بين النتيجتين..

ففي المآل سيحظى المصريون برئيس مدني حتى لو كان وريثاً، أما نحن فسنكون تحت رحمة قائد عسكري لا يحتكم، في النهاية، إلا لمنطق القوة، ولا يُرجح سوى لغة القبضة الحديدية..!

من نائب إلى عميد

منذ لحظة البداية في تنفيذ الأجندة الأسرية، كان الرئيس صالح يدرك أن فكرة الحاكم العسكري لم تعد ذات قابلية للنمو والاستمرار، فشروط اللعبة طالتها أدوات التغيير، وبات القطب الدولي المهيمن لا يحبذ انتقال السلطة باستخدام منهجية القوة..
من هنا، بدا أن تقديم أحمد، في بزة مدنية، هو الخيار الراجح لدى الرئيس صالح، ليتم بذلك دفع أحمد لخوض معركة الانتخابات النيابية عام 97م المحسومة سلفاً، ويصبح نائباً عن الشعب في مجلس النواب..

أسباب لها علاقة بشخصية أحمد، وأشياء أخرى، أسهمت في تأكيد عدم صوابية الفكرة المدنية. فأحمد كما كان مخططا ً له، لم يؤد دور النائب الحريص على مصالح الشعب الساعي لحل قضاياه، تماماً مثلما لم يقم بمجابهة الحكومة الديكورية ونقد أدائها والإطاحة ببعض (كباش الفداء) من وزرائها لقطف ثمار البروز الشعبي والسياسي..

بالنسبة للمشرفين على المشروع، فحتى لو تحول أحمد إلى زعيم سياسي وحقق جل الأهداف المعدة سلفاً، فلن يكون وصوله للسلطة ممكناً في ظل واقع يمني معقد التركيب يمزج بين الحياة القبلية والعسكرية والنزعات الشطرية في بيئة دائمة الصراع مستمدة من نظرية الغالب والمغلوب..!

المتغيرات الدولية واحتمالية تعدد الأقطاب، مضافاً إليها، وجود شركاء ومراكز قوى عسكرية وقبلية مناهضة (المركز المقدس)، نقاط حسمت الجدل، فأحمد لا يمكن أن يرث التركة إذا لم يكن مستنداً إلى قوة تمنحه العزوة والقدرة على المواجهة وفرض الذات إن تعثرت التفاهمات مع الحلفاء واقتضى الأمر المواجهة..!

خلال أشهر، بات عضو البرلمان النائب أحمد صالح، رائداً في الجيش، متأهباً للعودة إلى الحياة العسكرية التي كان عمه الفقيد محمد عبدالله صالح، قد دربه عليها إبان مرحلة المراهقة..

إعادة عسكرة أحمد تزامنت مع إعادة تأهيل الحرس الجمهوري بشكل مكثف، لينتهي مطاف التأهيل بجيش نوعي ضارب وقائد برتبة عميد يستعد لما هو أخطر..

بين عزلة أحمد وانفتاح جمال

المقارنة بين الوريثين، جمال وأحمد، وإن بدت استفزازية أو ربما غير واقعية نتيجة للتمايز الجزئي بين المشهدين، وتحديداً في جانب التعقيدات القبلية والعسكرية، إلا أنها أكثر الخيارات قدرة على إجراء تقييم جاد يماثل ذلك الذي قامت به الصحافة المصرية..

مهما أطلنا في تدبيج الذرائع التي تسببت في خلع "بدلة الحياة المدنية" وبررت ارتداء البزة العسكرية، فإن صفات العزلة والانطوائية تظل حاضرة كذريعة لا تقل أهمية عن غيرها..

فرغم أن الوريثين محاطان بدوائر نفوذية مقربة، إلا أن تأثير تلك الإحاطة مختلف بينهما، فجماعة أحمد عز لم تفلح في عزل جمال مبارك بصورة كلية عن المصريين، بعكس أحمد الذي بات منغلقاً على حلقة نفوذية تبدأ بصلاح العطار وتنتهي بجلال سيف..!

هاكم بعض التأكيد، لا ينفك جمال مبارك يمارس أنشطة تمنحه امتياز القرب من المصريين، فاللقاءات والمؤتمرات والنقاشات وأحياناً الندوات، ساحات يحاول جمال فيها أن يبدو بسيطاً حريصاً على مصالح الشعب مدركاً لما يعانيه أبناؤه..

في حقبة مضت، استهل أحمد نشاطات مماثلة وان على استحياء، أبرزها كان في المجال الرياضي، وتحديداً عندما ترأس، بصورة فخرية، أعرق أندية الوطن (التلال). منذ عام تقريباً، لم تعد تلك الأنشطة الشحيحة أصلاً، تعتلي سلم أولويات الرجل.. إذ استبدلها باللقاءات المغلقة في الدواوين مع وجوه متكررة، هي ذاتها أبعد ما تكون عن الشعب وأبنائه..

ولعل في النقاشات الحوارية التي أجراها جمال مبارك مع عدد من شباب مصر عبر الفيس بوك (في الإنترنت) ما يوضح البون الشاسع بين وريث يتعلم من أخطاء أبيه وآخر يكررها حرفياً، بين من يؤمن بالمنطق الإقناعي والنقاشات الحوارية المفتوحة مع الشعب، وآخر يرى في كل هذا محض هراء ومضيعة لوقته الثمين الذي يجب استثماره في بناء القوة العسكرية والتجارية..!

هدوء أقرب إلى الوهن

كأي طامح بموقع "الرجل الأول"، استهل جمال مبارك ترتيبات لتشكيل نواة سياسية قادرة على تجسيد دور الأدوات البديلة لتلك التي أصابها الزمن بالترهل وأفقدها القدرة على مجاراة التطورات الناشئة بالتقادم..

من لجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم، كانت البداية للنواة المنشودة. بانقضاء فترة وجيزة، أصبح جمال يملك تكتلاً سياسياً كبيراً ومرعباً لا يؤدي دور البديل المفترض للحرس القديم فحسب، بل أضحى يجري ترتيبات ممنهجة للاستحواذ على كل شيء والتعجيل في قطاف الثمار..

رجال الحزب الوطني، بعض الوزراء، وقائمة مطولة من نواب مجلس الشعب، بالإضافة إلى أمراء التجارة والثروة، قوام ممشوق الفعل متضخم التأثير، غدا مستعداً لإدارة دفة التركة في أي وقت..

حتى اللحظة، لازال الفاصل بين جمال وأحمد، في هذه الجزئية كبيراً جداً، إذ باستثناء الجانب التجاري الذي يديره -وفق ما يتردد- نبيل هائل وبقشان ومعياد وآخرين، لا يبدو أحمد مهتماً بالمحاولة مرة أخرى في إيجاد كتلة سياسية لمشاطرته هم إدارة التركة..

خلال مرحلة آنفة، كان أحمد متحمساً لإيجاد نواة سياسية داخل حزب المؤتمر الشعبي (شبة الحاكم)، وهو حماس تجلى في الاطروحات التي كان جناح الشباب يروج لها من حين لآخر، محاولاً بذلك تجسيد دور البديل للحرس القديم..
غير أن الفكرة (التيار التحديثي) سرعان ما وئدت في المهد بتدخل رئاسي صارم، في حين اكتفى أحمد بممارسة (الطبطبه) للتعاطي مع من طالهم العقاب الرئاسي المستمد من تحريض الحرس القديم..!

جولة الصراع السياسي مع القدماء، كشفت فارقاً جوهرياً بين جمال وأحمد، فشخصية الأول القوية وقدرته على إمضاء القرارات الصعبة وإنفاذها، نجحت في إنشائه لتلك الكتلة السياسية، بعكس أحمد الذي مثلت شخصيته الهادئة عامل وهن حال دون تحقيق النجاح في جولة الصراع مع القدماء داخل المؤتمر..

عقلية الديمقراطي ومنهجية العسكري

ثمة فارق لا يقل جوهريةً عن غيره، يتمثل في ميول جمال نحو الحياة السياسية، ربما بفعل نشأته المدنية. دلائل هذا الفارق يمكن قراءتها بسهولة من ردود فعل جمال تجاه الحملات الصحافية الشرسة والمتواصلة..

إذ لم يوصي بالحجز الإداري على الصحف ومصادرتها، كما لم يُؤثَر عنه الجنوح للغة العنف والقوة في التعاطي مع الصحافة ومنتسبيها. النشأة المدنية جعلته يأنف القوة ويُرجح القضاء والمحاكم إن زاد النقد عن حده، وهو ما لم يحدث أيضاً على حد علمي!

الصحافة اليمنية، للأسف، لديها سجل لصحافيين تعرضوا لانتهاكات صارخة لمجرد اقترابهم من ملف التوريث في اليمن، ولعل في معاناة الزميلين عبدالكريم الخيواني وجمال عامر ما يكفي كدلالة لذلك العنف المشين..

المثير أن الصحافة اليمنية، حتى الآن، لم تتجاوز في نقدها لأحمد والتوريث، سقف ال(30%) من السقف المئوي أو بالأحرى المخلوع، الذي تمارسه الصحافة المصرية بشكل منتظم ضد جمال مبارك ومشروع التوريث، ومع هذا نجد الصحافة المصرية (الدستور، الفجر، صوت الأمة) تواصل هجومها المكثف دون خسائر، فيما صحافتنا اليمنية تعاني أفدح الأضرار من إيقاف ومصادرة ورقابة مسبقة، واختطاف وسجن وتنصت هاتفي وتضييق معيشي...الخ، وهي جرائم يرتكبها قياديون (سياسيون وأمنيون) محسوبون على أحمد بطريقة أو بأخرى..!

هنا، وليس في مكان آخر، يكمن الفرق بين من يفكر بعقلية الديمقراطي المنفتح الذي يقبل الرأي والرأي الآخر، ومن يفكر بمنهجية عسكرية مناهضة للانفتاح والديمقراطية لا تعترف إلا بمنطق العنف..

فيتو رئاسي!

دون عناء، سنجد آثار تحركات لافتة لأحمد في ملف التجارة والاستثمار، ربما تتجاوز بأشواط عدة ما قطعه جمال مبارك في هذا المضمار، وإن كنت شخصياً اشك في هذا التجاوز!

قد لا يمكن الجزم بمسببات واضحة للاهتمام اللافت بالتجارة الذي لا يماثله سوى الاهتمام بالجيش، بالاستناد لفرضية التخمين، يمكن تبرير ذلك الاهتمام بأمرين، الأول: اعتقاد أحمد أن عامل التجارة والثروة سيشكل نقطة حسم في صراع السلطة كما فعل مع الرئيس الأب خلال حقب منقضية. والثاني: وجود فيتو رئاسي فعلي ضد أحمد يعوق تحركاته في كافة المجالات باستثناء التجارة والثروة والجيش..!

رهان خاسر

يزعم بعض جلساء أحمد وماضغو القات في دواوينه، أنه يتحلى بأخلاق رفيعة، وأدب جم، وتواضع و...الخ، مروجو هذا الأطروحات يعتقدون أنها كافية لتبديد الصورة العسكرية المخيفة المرتسمة –لا إرادياً- في ذهنية الكثيرين عن الرجل..
بافتراض صحة الأطروحات، فالمراهنة على فعاليتها في تلطيف الصورة العسكرية، تبدو خاسرة لمبررات أبرزها تقاطع تلك الأطروحات مع واقع الانغلاق على مجموعة (الحظوة) والبعد عن معاناة الشعب وآلام الجماهير..

الصندوق أم الدبابة..

أهم الفوارق بين الوريثين تكمن في المشهد النهائي الذي يسبق اعتلاء السدة بأيام..
مؤشرات الوضع المصري تؤكد أن آلية الانتخاب (الصوري) ستكون هي الوسيلة للوصول، بعكس المؤشرات اليمنية التي لازالت تُرجح الخيار العسكري وتستبعد آلية الانتخاب..

في المحصلة النهائية، ربما يصل الوريثان إلى العرش ويلتحقان ببشار الأسد انتظاراً لقدوم سيف الإسلام القذافي!، لكن طريقة الوصول، رغم النتيجة الواحدة، ستلعب دوراً محورياً في تحديد المصير على المدى المنظور..

فمن سيصل بالديمقراطية، حتى وإن كانت صورية، كما حدث مع الرئيس صالح عبر مجلس الشعب التأسيسي، لن يكون في نظر شعبه أولاً والعالم ثانياً، مغتصباً للسلطة بالمعنى الحرفي للتعبير، بعكس ذلك الذي أوصلته المصفحات والدبابات إلى العرش.

وماذا بعد..

عدم أهلية أحمد لخلافة أبيه التي يمكن استقراؤها من نواتج المقارنة السابقة، رغم أنها تشكل منطقاً (إقناعياً) ذا قدرة أكبر تأثيراً من الاكتفاء بمبرر الانتماء الأسري الرابط بين الابن والأب، إلا أن المبرر الأخير، يظل من حيث (المبدأ) خط الرفض الأمضى فعالية، ليس في مواجهة تطلعات أحمد فحسب، بل والثنائي جمال مبارك وسيف الإسلام القذافي..

المقارنة سالفة الذكر، لا تؤكد إلا على حقيقة واحدة مؤداها أن مسببات رفض وراثة أحمد لتركة السلطة لا تقف عند السبب المناهض للثورة والجمهورية المتمثل في كونه (نجلاً للرئيس) وهي المعضلة التي يتردد أن حلها سيتم بتنفيذ فكرة (المحلل) أو الرئاسة الفاصلة (رئيس مؤقت ينقل السلطة من الأب إلى الابن)..

بوجود المحلل قد تنتفي فاعلية (التوريث كمبرر للرفض) غير أن المبررات الأخرى (نواتج المقارنة) ستشكل خط رفض يوازي ذلك الذي فقد فاعليته بفعل (المحلل)..

عندها سيؤدي تجاهل هذا الخط وتجاوزه لمصير الفشل المحتوم، سواء أكانت وسيلة الوصول هي الصندوق أم الدبابة، فانعدام الأهلية، سيجعل بلاد ما بعد التوريث، غارقة في دوامة ستفضي (في وجود التعقيدات القبلية والعسكرية والتشطيرية) إلى حرب أهلية ممهدة لمآلات الصوملة والعرقنة والأفغنة.. وكفى!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.