شاب لبناني مفتول وعلى جسمه أشكال مختلفة من التاتو، أفعى متأهبة في كتفه اليمين، وفي كتفه الآخر رأس تنين، وعلى صدره الفسيح سلس ذهبي يتدلى فوق عبارة "يا علي" متموضعة بشكل رأسي، هناك في عنقه "علي" محشور بين ثعبان وتنين.. سألني: ما رأيك في الولاية؟! أجبته: بالطبع الولاية أفضل من التقليد، فتساءل: تقليد شو؟! قلت له: قطع الغيار الولاية أفضل لأنها تحمل مواصفات القطع الأصلية، أما التقليد فلا يخدم مثل الأصلي، وأنا قد اشتغلت ميكانيكيًا وأعرف الفارق جيدًا، خذ عني: الولاية تكلفك أكثر لكنها تخدم لفترة أطول، وعلى المرء أن يبحث عن الأصلي دائمًا، فيما يتعلق بالأشخاص كما بالأحذية وقطع الغيار..
بقي الرجل مستغربًا من حماستي في الحديث عن قطع الغيار، فحاول تقريب المسألة بسؤالي: هل أحب عليًا وفاطمة، فسحبت نهدة من قاع القلب، وقلت: فاطمة؟! كيف لي أن لا أحب فاطمة وهي أحب خلق الله إلي، قال: سلام الله عليها، وأردفت: سلام الله عليها ألف مرة، قال: وعلي؟!، قلت: وعلي، رحمه الله وسلام الله عليه ألف مرة، انفرجت أسارير صاحبنا، وقال: أنت موالي إذا؟! قلت له: أنا الولي، ويواليني أصدقاء كثر، كذلك تواليني أمي فاطمة وجدي علي، قال: خلص، هيك عرفتك واطمنت لك، أنت من جماعتنا في اليمن.
نعم أنا من جماعتكم في اليمن، ولكن هلا أخبرتني باسم أمك وجدك! فبدت عليه علامات الاستغراب، واستدركت: لا عليك، دعنا نكن من جماعة واحدة دون التدقيق في التفاصيل الخاصة، وأراد الرجل التحقق أكثر من كوني الرجل الذي أراد، فسألني عن زينب، وليس من بين أهلي امرأة اسمها زينب، فتذكرت جارتنا العجوز الطيبة التي ماتت منذ زمن، زينب بنت نشوان، وقلت: نعم، أعرف زينب بنت نشوان، كانت تسكن في شعبة جوار بيتنا وتسورها بالزرب، كانت تزرع الفلفل والقات إن لم تخني الذاكرة، ولديها شجرة قرانيط، تلك التي تسمونها خرّوب، هل تعرف الخرّوب؟!
بدت على الرجل علامات عدم الارتياح، وتجاوز مسألة زينب، متسائلًا عن موقفي من أبي سفيان، وأنا أعرف أبا سفيان، كان أبو سفيان، محمد سعيد بن سعيد، يشتغل موقّص أحجار شاطر في الأهنوم وصعدة، ثم عاد إلى القرية وافتتح دكانًا صغيرًا واشترى سيارة لاند كروزر ينقل بها البضائع والمسافرين من وإلى القرية، وكان المسافرون يتحاشون الركوب معه بداية لأنك إذا حذرته من الشجرة الواقفة بجوار الطريق، يقود ليصطدم بالشجرة، تاليًا أتقن أبو سفيان القيادة وتوسعت تجارته واشترى طاحونًا وسيارة أخرى وصار رجلًا مرموقًا.
احمرت وجنتا الرجل وفهم أنني أسخر منه، قال: عم تتمسخر؟! قلت له: ولووو، أنا أجيبك يا صاحبي بقدر أسئلتك، فسألني سؤالًا محددًا ربما وجده حاسمًا لكشف هوية من يحاوره، قال: بتحب يزيد؟! فأجبته على الفور بحسم وثقة: نعم، "يزيد ولا ينقص"!