"أمي امرأة لم تذهب للمدارس في حياتها ولكنها تعرف القراءة. كبرت وأنا أراها تقرأ كل أنواع الكتب، بيتنا كان مليئاً بالكتب الثقافية والسياسية والمجلات، ولكني لم أفهم أبداً لماذا لا تستطيع أمي الكتابة. كنت أشعر بالإحراج كل مرة أكون مطالبة بأن أحضر توقيع ولي أمري ويكون أبي في سفر، أمي لا تستطيع أن توقع، حتى اسمها لا تستطيع كتابته. كيف من الممكن أن يقرأ شخص أهم الكتب الثقافية ولا يستطيع الكتابة؟ حاولت أن أعلم أمي، جلبت لها دفتراً وبدأت في وضع الحروف على شكل نقاط بحيث تعلم فوق النقاط لعلها تتعلم القراءة، ومن ثم لا أتعرض أنا للإحراج لأن أمي لا تكتب. قالت لي بأن أبي حاول أيضا أن يعلمها الكتابة وأن ليس هناك جدوى مما أفعله. كبرت وأنا أرى أمي تتهرب من أي موقف يكون فيه إحراج لها بالكتابة، فلم يكن أحد يتوقع أن هذه المرأة المثقفة لا تستطيع الكتابة، إلى أن أتى اليوم الذي فهمت فيه السبب. أمي تربت في قرية إسمها جبله، لم يكن هناك مدارس وحتى ما يسمونه ب"المعلامه" أي تعليم القرآن" كان مقتصراً على الرجال. ولكن بعد الثورة في عام 1962فتحت مدرسة في مدينة قريبة من القرية. رأت أمي قريباتها يذهبن للمدرسة وهي لا، أخبرت جدي الذي كان يعمل كقاضي في القرية برغبتها في الذهاب للمدرسة. غضب جدي وقال أن هذا لا يمكن حدوثه، الدراسة ليست للنساء. قالت أمي بأنهم كانوا يخافون من تعليم النساء خوفاً من المرأة التي تكتب، فهي إذا استطاعت الكتابة ربما تقوم بإرسال رسالة غرامية لأحد الرجال.المرأة التي تكتب معرضة لأن ترتكب الخطيئة أكثر من التي لا تفقه شيئا، هكذا كانوا يظنون. لم تستسلم أمي وتعلمت القراءة على يد امرأة كانت تعرف قراءة القرآن عن طريق زوجها. هذه المرأة لا تعرف الكتابة أيضا، وأصبحت أمي مثلها تعرف القراءة ولكنها لا تكتب. ورغم محاولتها بأن تكتب إلا أن الخوف من الكتابة ظل عالقا في تفكيرها، إنه الخوف من مجتمع أبوي يظن بأن حماية المرأة في تجهيلها. وإلى هذه اللحظة لا زالت أمي تقرأ ولا تكتب...ولكني لم أعد أخجل من هذا، فقد فهمت بأن أمي لا ذنب لها".