أمي الحبيبة.. قررت أن أهديكِ من بين كل النساء كلماتي التي لن توفيك حقك مهما كتبت، ولربما تشفع لي بما قصرته في حقك.. أمي الحبيبة.. شاءت الظروف أن تعيشي في مدينة جبلة الجميلة، وعندما ذهبتِ في زيارة لتعز ورأيتِ قريباتك يتعلمن، رجعتِ إلى «جبلة» تطالبين بأن تدرسي مثل غيرك، لم تكن فكرة تعليم الفتاة منتشرة، كان الكل مستغرب لماذا تصرين على التعليم، بكيتِ كثيراً لأن حلقات تعليم القرآن كانت للصبيان فقط، وأردتِ أن تذهبي إلى تعز ولكن الظروف منعتك، وكل صباح تفيقي مع شروق الشمس للذهاب للمطبخ بجدرانه السوداء من أثر إحراق الحطب، وتخبزين على «الصُعد» أو كما يسموه في صنعاء «طبون».. وفكرة القراءة لا تبارح تفكيرك. إلى أن أتى اليوم التي عرضت فيه أحدى نساء جبلة بأنها ستعلمك، شاورتك في أذنك «لا تحزني يا أبنتي أنا تعلمت قراءة القرآن من زوجي وسأعلمك إياه ولكنهم لم يعلموني الكتابة لخوفهم من أن المرأة إذا تعلمت المراسلة فستراسل الرجال».. فرحتي يومها وأخبرتي والديك.. وبدأت دروس القرآن.. كانت معلمتك أو كما يطلقون عليها «سنّه» لا تكتفي بتعليمك القرآن.. وإنما كانت تقرأ معك روايات لجورج زيدان.. وألف ليلة وليلة.. وعشتِ مع الكتب هذا العالم الساحر، ولكن ظل دائم عندك خوف من الكتابة، حاولت تعلمها ولكنها كانت هناك مقاومة بداخلك تمنعك رغم رغبتك في التعلم، ربما ماقالته لك معلمتك جعل بداخلك خوف لم تفهمي سببه، ورغم السماح لك بتعلم الكتابة إلا أن ذلك الخوف ظل بداخلك ولم تستطيعي الكتابة الى هذه اللحظة. استمريتِ بالقراءة.. قرأت كل شيء.. روايات عربية، كتب دينية وسياسية وثفاقية وتاريخية.. لم تتركي أي كتاب يقع في يديكِ إلا قرأتيه، أصبحتِ أكثر ثقافة من غيرك ممن تعلموا في المدارس والجامعات.. أنت من كان يأخذ بيدي ويذهب بي للمدرسة.. كم ساعدتيني في دروسي.. كنتِ تساعديني في دروسي حتى جدول الضرب تعلمتيه من أجلي.. فهمتيه لوحدك.. لم يعلمك أحد.. أنتي يا أمي من وقفتي في طوابير المدرسة لتنتظريني إلى ان أدخل لصفي، وضربتي مره بعصا المعلم لأنه ظنك إحدى الطالبات التي لم تقف بشكل صحيح في الطابور.. كنت أرى الحزن في عينيكِ إذا سافر أبي ولم تستطيعي أن تكتبي توقيع على شهادتي.. كنت أحزن مثلك يا أمي وأنتي تشعرين بالإحراج إذا طُلِب منك كتابة اسمك على ورقة الطبيب ويظنوا انك أميه لأنك لا تستطيعي الكتابة مع أنك قرأتي أضعاف الكتب التي قرأوها.. أنتي يا أمي.. كنتِ دائما تقولين لي «علمك هو الوحيد الذي سينفعك وهو ما سيغنيكِ عن الحاجة لأي شخص كان» صدقتي يا أمي.. أنا اليوم أحمل الماجستير وأمي لازالت لا تكتب ولكني عندما أتحدث معها أستغرب من أين تأتي بكل هذه المعلومات.. كم كنت أتمنى لو كانت قادرة على الكتابة لكانت كتبت مجلدات.. لك يا امي أكتب اليوم.. في عصر لم تعد كتابة المرأة فيه محرمة.. لك اليوم أكتب يا أمي في عيد يكرم المرأة.. لأنك تستحقين التكريم يا أمي.. لأنك أعظم امرأة في حياتي.. أحبك.