عندما التقيت قبل اكثر من شهر بنائبة السفير الامريكي اليزابيث ريتشارد في مكتبها بمقر السفارة الامريكية بصنعاء في لقاء خاص لمناقشة اهمية انشاء منتدى عدن للتنمية الذي احتضنته جامعة عدن الشهر الماضي لفت نظري كيس بلاستيكي معلق بشكل ظاهر على الحائط الى جانب بعض المقتنيات الفنية والتحف التي تزين مكتب السيدة اليزابيث . هذا الكيس البلاستيكي كتب عليه شعار انصار الله المعروف : الموت لأمريكا .. الموت لاسرائيل ...الخ . في الحقيقة كان من الغريب والمثير للتسائل ان يتواجد هذا الشعار العدائي للدولة العظمى التي لا تتسامح مع اعدائها داخل سفارتها في اليمن وكان من الطبيعي ان اتوجه بالسؤال للنائبة عن وجود هذا الكيس والشعار المكتوب عليه الى جانب بعض المقتنيات واللوحات التي تعبر عن مراحل من التاريخ اليمني .و في ابتسامة حملت الكثير من المعاني اجابت النائبة الامريكية ( انه سيفونير ) ويعني باللغة العربية (تذكار) وياله من تذكار . من المعروف ان تحقيق المصالح الامريكية الاستراتيجية تتطلب اللعب باوراق كثيرة ولا تعتمد على ورقة واحدة لخدمة مصالحها ومن وجهة نظري فأن الحوثيين او انصار الله أصبحوا احدى الاوراق الامريكية المفيدة في المنطقة كما ان وجود ممثلين لها للحوار لم يكن ليتم بدون موافقة امريكية اذا لم يكن بدعم منها وبالتالي فأن هذا يعني ان القائمين على السياسة الخارجية للدولة العظمى يرون انه لا خطر من الحركة الحوثية في اليمن في الوقت الراهن على المصالح الامريكية برغم الشعارات الحماسية والعدائية للسياسية الامريكية التي يطلقها الحوثيين في كل مناسبة واحتفال وهذه ليست سياسة اعتباطية عشوائية ولكنها مدروسة بدقة لتصب في الاخير في خدمة المصالح الامريكية واستقرارها في المنطقة من خلال الحفاظ على توازن القوى السياسية بل والعمل على خلق قوى سياسية اخرى وتعزيز تواجدها ضمن المعادلة السياسية في اليمن وابرزها الى جانب انصار الله الحراك الجنوبي المشتت والذين يواجهون حاليا صعوبات في العثور على قوى موحدة مؤثرة في الجنوب . دائما نسمع من السياسيين الغربيين ان سياسة دولتهم مع وحدة اليمن وتشعر ان بين السطور كلمات مثل (حاليا) وانهم مع خيار الوحدة (في الوقت الراهن) وتكرر هذه الكلمات المخفية المحسوسة (حاليا) و (الوقت الراهن) في معظم تصريحاتهم وبالتي قد يأتي وقت ترى فيه القوى الغربية ان مصلحتهم مع دولتين منفصلتين في الجنوب والشمال قد يكون خيار المستقبل القادم للوضع السياسي في اليمن. هناك اطراف سياسية كانت على درجة عالية من الخصومة مع الحوثيين وحاليا نجدها أنشأت نوع من التحالف السياسي معهم لمواجهة اطراف اخرى ضمن الخارطة السياسية في اليمن , كما نجد اطراف اخرى قادت معارك شرسة على الحوثيين لستة حروب متواصلة اصبحت اكثر هدوئا مهم باعتبار ان اضعافهم سيقلل من تدفق الدعم المالي واللوجستي من دول مجاورة تجد في الحوثيين خطرا وتهديد مباشر باعتبارهم يمثلون مصالح استراتيجية وسياسية ومذهبية لدولة اخرى . اكثر الحراك المتشدد تأثيرا والذي يقوده الرئيس اليمني السابق على سالم البيض وعدد من مجموعات الحراك الاخرى نجدها في تحالف غير معلن مع انصار الله ويبدوا ان إشعال الوضع في الجنوب يهدف إلى إشغال الرأي العام المحلي والدولي والإقليمي عن توسع دائرة نفوذ انصار الله في الشمال . انصار الله لازالوا يمرون في مرحلة النقاء السياسي ويعملون تحت رؤية وأجندة واضحة بل انني اجزم انهم اكثر المكونات السياسية في مؤتمر الحوار الوطني تمسكا برؤيتهم السياسية والذين دخلوا بها الحوار ولن يخرجوا منه الا بتحقيقها فهم لا يتعاملون بمراوغة او مرونه .. لديهم ثوابت مذهبية وسياسية يؤمنون بها ويعملون على نشرها وتحقيقها . لقد عاش انصار الله خلال حروبهم الستة مقاتلين اشداء ولكنهم في اطار اللعبة السياسية الماكرة لا يزالون عرضة للاستغلال من جميع الأطراف السياسية التي تتحاور معهم ليصبحون بذلك مصدر وأداة لخدمة مصالح محلية ودولية لا ترى فيهم حاليا أي خطر او تهديد على مصالحها بل العكس تماما من ذلك .