بعد أن تجرع اليمنيون خيبات أمل قاسية لمرات ثلاث خلال الخمسين سنه الماضية ، نتيجة عدم تحقق " القدر الكافي من حيث المضمون " من آمالهم وتطلعاتهم في الوصول الى حياه كريمه تتسم بالاستقرار والأمل ، في ظل دولة " حقيقية " ذات بنيه مؤسسية حديثه .. كانوا يتوقعون تحققها عند كل فرصة من فرص التحول التاريخية " الضائعة " التالية : - 26 سبتمبر 1962م. - 14 أكتوبر 1967م. - 22 مايو 1990م. • حصاد الحرمل :- وفي استعراض مقتضب لحصاد الحرمل الذي حصده الشعب اليمني جراء ضياع تلك الفرص التاريخية الثمينة ، وما صار عليه واقع حال الشعب اليمني اليوم المكتظ بالآلام والقتامة ونغص العيش .. ومن شواهد هذا الواقع :- - وجود ما يزيد عن " إثنين مليون طفل " يمني ، يعانون من سوء التغذية الحاد ، وعدد مماثل يعانون من التقزم ، وهذه من أعلى المعدلات في العالم لاسيما بين من هم دون سن الخمس سنوات . - نحو " عشرة مليون مواطن " يمني ، لا يملكون غذأً كافيا ً( الغذاء اليومي ) . - إكتواء اكثرية اليمنيين بنيران ثنائي الجحيم ، " ثنائي الفقر والبطالة " ( 40% من سكان اليمن دون خط الفقر ، ونحو 45% من سكان اليمن يعانون من البطالة ) غالبيتهم من الشباب . - إرتفاع مخيف في معدل حالات الإنتحار بين اليمنيين ، يوازيه إرتفاع كبير ومستمر في معدل المرضى النفسيين ، وخصوصا ًبين أرباب الأسر ( ذكور وإناث ). - تخلق وإزدياد ظاهرة تهريب الأطفال من اليمن ، وتجارة الأعضاء البشرية ، وإختفاء الفتيات اليمنيات . - وجود نحو " ستمائة الف " نازح داخلي من المواطنين اليمنيين ، يتلقون غذائهم من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة . - نحو " ثلاثة عشر مليون " مواطن يمني ، يفتقرون الى المياه النظيفة والخدمات الصحية. - إزدياد وتعدد أشكال إمتهان كرامة الإنسان اليمني وقيمة حياته ، داخل اليمن وخارج اليمن .. ومن ذلك على سبيل المثال :- - الارتفاع الكبير والمستمر في أعداد المتسولين والمشردين من " الأطفال وكبار السن " ، حتى انه لا يكاد يخلو منهم شارع من شوارع المدن اليمنية . - وجود المئات من اليمنيين القابعين في سجون العديد من الدول العربية والاجنبية ، دون أي رعاية قانونية أو دبلوماسية أو إنسانية لأوضاعهم من دولتهم ، والأنكاء أنه لا توجد لدى الدولة اليمنية والجهات المختصة أي بيانات دقيقة عن أعداد اليمنيين الموجودين في سجون الدول الأخرى . - تعرض الكثير من اليمنيين – مهاجرين ، طلاب ، زوار – لمختلف أشكال الإنتهاكات القاسية في العديد من البلدان العربية والأجنبية ، وغالباً لا يجدون أي إهتمام أو تدخل فاعل من سفارات دولتهم في تلك البلدان ، خلافاً لمواطني الدول الأخرى ، حتى أضحى اليمنيون في هذا هم الوحيدون الذين " لا بواكي لهم " . • مقومات الفرصة التاريخية الراهنة ( فرصة النجاه باليمن ) :- وأمام ما تحمله هذه الشواهد المفزعة والمحزنه من دلالات حيه وملموسه في حياتنا اليوميه عن حقيقة الوضع الإنساني المأساوي الذي آلت إليه حياة الشعب اليمني .. والتي هي بمثابة رأس جبل الجليد الذي يخفي تحته ركام هائل من المساوئ والإختلالات الفادحة والممارسات المدمرة ، التي أُرتكبت وتراكمت في جميع المجالات على مدى الخمسين سنه الماضية .. نتيجة لسوء إدارة البلد سياسياً ، وإقتصادياً ، وإجتماعياً ، وتنموياً ، وتعليمياً ، وصحياً ، وعدلياً ، وإدارياً ،.. الخ . خلال معظم سنوات العقود الخمسة الماضية. وبرغم الأحداث الصعاب التي عاشها اليمنيون خلال عام 2011م ، والتي كادت أن تعصف باليمن .. فقد شاءت الأقدار أن يكون اليمن من جديد أمام واحده من أثمن وأندر فرص النجاه التاريخية ، التي قلما تتوافر لأي بلد وتمثلت هذه الفرصة التاريخية في المقومات الاساسية الأربعة التالية :- - حالة " شبه التطابق" بين المصالح الوطنية لليمن والمصالح " الجيو سياسيه " لجل الأطراف والقوى الإقليمية والدولية ، الناشئ في جوهره عن حالة عدم الإستقرار الجيوسياسي الذي تمر به المنطقة ، وتمثل محور التطابق هنا في ( الحفاظ على وحدة وأمن وإستقرار اليمن ) .. وما ترتب على ذلك في حاجة هذه الأطراف الإقليمية والدولية إلى منع إنفجار الأوضاع في اليمن ، وطرح المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وتبنيها بالإجماع في مجلس الأمن الدولي وإلزام أطراف الصراع للتوقيع عليها ، ومن ثم دعم ورعاية التحول الجاري في اليمن وفق المبادرة الخليجية ، سياسياً وإقتصادياً ، وتقنياً . - ما مثله وجود شخص الأخ المشير / عبدربه منصور هادى ، بما توفرت فيه من مواصفات ذاتية وعملية وموضوعيه .. لبت إحتياجات اللحظة التاريخية الإستثنائيه التي كان ولا يزال يمر بها اليمن . - زخم التأييد الشعبي لعملية التغيير ، والذي وصل ذروته في نسبة المشاركة الشعبية العالية في إنتخابات 21 فبراير 2012م ، رغم المخاطر الجمة التي كانت سائده. - مؤتمر الحوار الوطني الشامل " الحدث الأهم في تاريخ اليمن السياسي " ، والذي تتعلق به آمال الشعب اليمني في التغيير ذات المضمون المؤكد في إتجاه بناء يمن جديد عبر وصول ممثلي جميع مكونات المجتمع اليمني في هذا المؤتمر إلى إتفاق على معالم الدولة التي يتطلعون إليها لأنفسهم ولأبنائهم . • المرحلة الإنتقالية .. ومسئولية الأطراف السياسية في اللعب على المكشوف :- من المعلوم أن المراحل الإنتقالية " بطبيعتها " هي من أصعب وأعقد المراحل التي يمر بها أي بلد ، ودائماً ما تتسم الأوضاع في أي بلد أثناء المرحلة الإنتقالية بحالة عدم الأستقرار السياسي ، والإنفلات الأمني ، وإنتشار التسيب والفساد في الأجهزة والمؤسسات الحكومية ، وبحالة التدافع الغير خلاق والغير منضبط بين مراكز القوى السياسية والاجتماعية والإقتصادية والفكرية ، وصولاً إلى شيوع ثقافة الإنفلات وعدم الإلتزام بقواعد وأنظمة السير – المركبات والمشاه – في الشوارع والطرقات . وضمن هكذا أوضاع تتحدد أيضاً طبيعة ودرجة الصعوبات والتحديات الملازمة للمراحل الإنتقالية تبعاً لطبيعة حدث التغيير المنتج لها ، وهو إما تغيير ثوري أو تغيير توافقي أو إنقلاب عسكرية . " ومن المفارقات التاريخية الساخرة هنا أن درجة الصعوبات والتحديات في المراحل الإنتقالية الناشئة عن الإنقلابات العسكرية غالباً ما تكون أقل ". وإنطلاقاً من هذه الحقيقة الموضوعية بمختلف أبعادها .. يفترض بكل أطراف السياسية وخصوصاً منها الموقعة على المبادرة الخليجية ، أن تتعامل مع المرحلة الإنتقالية بكل ما تخللها من تحديات ونجاحات وإخفاقات بقدر أعلى من المسؤليه الوطنية والأخلاقيه. وفي هذا السياق يتوجب على " الأطراف المعنية " التوقف عن اللعب على المكشوف الجاري على حبال هذه المرحلة ، فهي حبال رفيعة لا تحتمل المزيد من الإثقال والعبث عليها .. ومن صور ذلك على سبيل المثال لا الحصر :- - التوظيف السياسي لصعوبات المرحلة الإنتقالية وإخفاقات حكومة التوافق في الكثير من الملفات وخصوصاً منها الملف الأمني .. وما ينتج عنها من معاناة يقاسيها المجتمع ، نظراً لما يترتب على ذلك من شيوع لمشاعر الإحباط بين أوساط المجتمع ، وتعارض مع مبادئ وأسس المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ، وإلتزامات الشراكة في إدارة المرحلة الإنتقالية . - التوظيف السياسي للمسائل السياسية الشائكة والحساسة في هذه المرحلة ، كما حدث على سبيل المثال في موضوع " قانون الحصانة " .. نظراً لما يترتب على ذلك من تأزيم لأجواء التوافق السياسي في البلد ، وتعارض مع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ، وإلتزامات الشراكة في إدارة المرحلة الإنتقالية . - مسلسل حرب المكايدات السياسية " المدمرة " ، المستمرة وقائعها منذ بداية المرحلة الإنتقالية وحتى اللحظة ، بين أطراف الصراع – الشخصي والمصلحي – التي أثقلت كاهل المرحلة الإنتقالية ، وتسببها في عرقلة وإبطاء خطوات إنجاز المهام الاساسية للمرحلة الإنتقالية ، سوأَ من حيث جودة إنجاز هذه المهام أو من حيث المدد الزمنية لإنجازها .. وذلك بفعل إستحواذ هذه الأطراف على الكثير من أدوات الفعل المؤثر ( مالية وعسكرية وأمنية وسياسية وقبلية وإعلامية ،.. الخ ). • تعريف المرحلة الإنتقالية وحكم المرحلة القادمة وفترة ولاية رئيس الجمهورية :- منذ مده يتسيد الساحة السياسية والعناوين الرئيسية لوسائل الإعلام ، موضوع الخلاف القائم بين الأطراف السياسية " الموقعة على المبادرة الخليجية " حول تعريف المرحلة الإنتقالية وحكم المرحلة القادمة وفترة ولاية رئيس الجمهورية ، على ضوء المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية .. على ما عداه من موضوعات وقضايا الوطن الملتهبة الأخرى . ونظراً لأهمية هذا الأمر وإسقاطاته على أجواء اللحظة السياسية الراهنة – الرابع الساعة الأخيرة من زمن مؤتمر الحوار الوطني الشامل – والتي من بين أهم ملفاتها :- - وضع اللمسات الأخيرة على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل . - تصميم الترتيبات المتعلقة بمرحلة ما بعد الحوار الوطني ومسارات تنفيذ مخرجاته. ومن خلال البحث والتأمل في محتوى قراءات الطرافين" المتباينة " في هذا الموضوع ، وبعيداً عن الدخول في متاهات المناقشة التفصيلية لمدى وجاهة المبررات وسلامة الأسانيد التي تضمنتها قراءت كل طرف في هذا الشأن. نطرح القراءة التالية " كقراءة ثالثه " لهذه المسأله ، لا تنساق لحسابات ومصالح أي من الطرفين .. غايتها الوحيده مصلحة اليمن في هذا الظرف الدقيق :- - إستناداً إلى المبادئ الأنسانية " الحاكمة " لبنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية – المنصوص عليها في الجزء الأول من وثيقة المبادرة الخليجية – والتي تضمن المبدأ الثاني منها ( أن يلبي الإتقاق – على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية – طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح ). - وإستناداً إلى نص الفقرة ( 24) من الآلية التنفيذية ( ستنتهي مدة ولاية الرئيس المنتخب وفقاً للفقرة (7) من هذه الآلية ، لدى تنصيب الرئيس الجديد المنتخب حسب الأصول ووفقاً للدستور الجديد ). - وبناءً على فحوى المهام الأربع للعملية الإنتقالية التي تضمنتها الآليتها التنفيذية بالاستناد الى المبادرة الخليجية ، والتي محورها ( عقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي تتمكن فيه كل قطاعات المجتمع اليمني من المساهمة في وضع رؤية جديدة لمستقبل البلاد ). - وإسترشاداً بالمضمون الموضوعي للتعريف التالي للمراحل الإنتقالية / أنها المرحلة الواقعة بين مرحلة الخروج من منظومة الحكم التي كانت قائمة ، ومرحلة الدخول في منظومة الحكم المراد إقامتها .. والتي يتم خلالها إنجاز عملية التغيير " المحققه " لأهداف حدث التغيير المنتج لها . - وفي ضوء ما أفرزته ديناميكية التطبيق العملي والميداني لمهام المرحلة الإنتقالية – المهام الرئيسية – خلال الفترة الماضية .. من حقائق عملية ووقائع موضوعية قائمة على أرض الواقع ، فرضت نفسها على إيقاع التنفيذ ووسائله ، وعلى تراتبية التزمين " النظري " الوارد في الآلية التنفيذية . نستخلص المعطيات الأساسية التالية : = أن التغيير السلمي – الملبي لطموحات وحاجة الشعب اليمني في التغيير والاصلاح الشامل – هو الجوهر الموضوعي والسياسي الذي قامت على أساسه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية . = أن مؤتمر الحوار الوطني الشامل هو الأداه الرئيسية والوحيده لصناعة التغيير المنشود . = أن الوظيفة الموضوعية والسياسية والعملية للمرحلة الإنتقالية الراهنة – فرصة النجاة باليمن – هي إدارة وإنجاز عملية التغيير المحققة لآمال وتطلعات اليمنيين في نباء دولة " حقيقية " ذات بنية مؤسسية حديثة ، تؤسس لحل جذري وتأريخي لمشكلة الصراع على السلطة ، دولة المواطنة المتساوية المجسدة لحكم القانون والعدالة الإجتماعية والحياة الكريمة لكل اليمنيين وتجسد حكم القانون والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة لكل اليمنيين. = أن الآلية التنفيذية ، وفقاً لمبدأ تدرج القاعدة القانونية بخضوع القاعدة الأدنى مرتبة للقاعدة الأعلى مرتبة .. هي في موضع التابع للمبادرة الخليجية ، والتي هي بدورها محكوم بالمبادئ الأساسية المنصوص عليها في الجزء الأول من وثيقة المبادرة الخليجية. = أن المواعيد الزمنية الواردة في الآلية التنفيذية – كما هو في أي تشريع لائحي – هي مواعيد تنظيمية ، الغاية الأساسية منها تنسيق وتنظيم خطوات إنجاز الجوانب الموضوعية المنصوص عليها في وثيقة المبادرة ووثيقة الآلية .. ومما ينشا عن ذلك أنه لا يعُتد بالمواعيد الزمنية عندما تتعارض مع الجوانب الموضوعية ، كما هو الحال هنا في التعارض القائم بين نص الفقرة (7) من الآلية التنفيذية ونص الفقرة (24) منها. وبإسقاط هذه المعطيات على مسار العملية الإنتقالية ، إبتداً من نقطة إنطلاقها في شهر فبراير 2012م وحتى النقطة التي وصلت اليها اليوم في شهر ديسمبر 2013م .. نستنتج الحقائق الموضوعية والفعلية التالية :- • أن المرحلة الإنتقالية هي مرحلة موضوعية أكثر منها زمنية . • أن المرحلة الإنتقالية مكونه من جزئين أساسيين :- الجزء الأول / الإتفاق على شكل اليمن الجديد ( وهو الذي لا يزال جاري حالياً في إطار مؤتمر الحوار الوطني الشامل بمشاركة كل قطاعات المجتمع اليمني ). الجزء الثاني / بناء اليمن الجديد ( وهو ما سيصار اليه في المرحلة القادمة وذلك في ضوء مخرجات الحوار الوطني ، وعلى قاعدة الشراكة الوطنية الجامعة لكل اليمنيين ، الجاري حالياً التشاور بشأنها في إطار مؤتمر الحوار الوطني ). • وتبعاً لذلك وربطاً بكل ما سبق تناوله في هذه الورقة ، فإن المرحلة القادمة –أياً كان عنوانها – هي حكماً وعملاً وواقعاً ومصلحةً ، من صلب المرحلة الإنتقالية ، وجزء أساسي منها ( وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب من وجوبه ). • أن المرحلة الإنتقالية لا تنتهي إلا بإنتهاء المرحلة التأسيسية .. وأن فترة ولاية / رئيس الجمهورية لا تنتهي إلا بإنتهاء المرحلة الإنتقالية . • أن المرحلة الإنتقالية بطبيعتها – الإستثنائية في منشأها وفي حكمها وفي وظائفها وفي ظروفها وفي أدواتها – ليست مرحلة حكم بالمعنى السياسي والقانوني المتعارف عليه في الظروف الطبيعية ، وبالتالي لا يصح حوكمتها بمقاييس الظروف الطبيعية . ___________________ [email protected]