لم يكن تهاوي معاقل ونفوذ الإخوان والذي بدأ في دماج وأعقبه في العصيمات وأخيراً عمران بمنأى يمكن الحكم عليه منفرداً، ولكن كان قد سبقه سقوط الصورة التقليدية لجماعة الإخوان وتغير النظره القديمة للإخوان ولدورهم الجديد في ثورة الربيع العربي التي امتطوها للسلطة في تلك الدول العربية، التي حل فيها الربيع العربي والتي حملتهم إلى سدة الحكم، حيث كان من أولويات ما قاموا به هو الهجوم على كل سلطات الدولة، مقصين الآخر بشكل مستفز حيث تكشفت استراتيجياتهم ونظرتهم بأنها يمكن أن تؤدي إلى خلق المتاعب والقلاقل بما فيها تلك الدول التقليدية المحافظة والتي تعاطفت معها في المرحلة السابقة كما كان الأمر بالنسبة للشقيقة الكبرى مع الإخوان الإصلاح ، وهذا التغير الذي أبداه المجتمع الدولي في ظل تلك التطورات في البلدان العربية نحو جماعة الأخوان بما في ذلك انهيار حكمهم في مصر والمذابح المأساوية التي رافقت ذلك، مما أدى إلى مجابهة النظام الدولي لحركتهم، اختلال التوازن الدولي والإقليمي بالنسبة للإخوان، وأخيراً اهتزاز وضعهم المحلي على مستوى اليمن، مما أدى إلى انكماش نفوذهم بشكل ما، بما في ذلك بلادنا. ولذا كان سقوط مواقع نفوذهم بشكل ملفت في العصيمات وعمران وكان قد سبق ذلك السقوط في دماج. ذلك السقوط في واقع الأمر كان قد سبقه سقوط معنوي في عواصم أخرى حيث كان قد ابتدأ في الرياض قبل أن يبدأ في العصيمات... أو عمران..الخ.. ! ومن الملاحظ ان الاخوان في اليمن قد اخذوا طابعا يختلف عن نظرائهم في الدول الاخرى فقد تحصنوا في شرانق متعددة، حيث تزاوجت القبيلة المشيخة بالإخوان وفي مرحلة لاحقة بالنخبة العسكرية، وأصبح ذلك التزاوج يعني في قاموسها حق تمثيل ثورة سبتمبر والجمهورية والحفاظ على مكاسبها وجمعت بين أحقية مشيخة مشائخ اليمن ورئاسةالجمهورية، وأصبح مايعرف " بالرئيس" و " شيخ الرئيس". لقد تمكنت تلك التشكيلة الكاملة أن تبدو منسجمة وأحياناً مختلفة شهور عسل وأخرى بصل وفقاً لنظرة الرياض وبحسب تحريك القضايا واولوياتها وأهمية كل مرحلة. غير أن الشئ القاطع والمعلوم أن تلك القيادة التقليدية قد اختطفت الجمهورية ونصبت نفسها الوارث الشرعي لحماية مكتسباتها والجانب الوحيد المتغني بأمجادها وحدودها، بينما هي في حقيقة الأمر قد رهنتها لدى أمراء الرياض الذين قايضوها بأموال من بنوكهم كارصدة وكمرتبات شهرية غير مواربة. ان تلك القيادة التقليدية التي مثلت اليمن سياسياً من خلال رئيس الجمهورية او مشيخيا من خلال شيخ الرئيس لم ترهن مستقبل اليمن فحسب وإنما ايضا عملت على مواجهة المشاريع المدنية وضرب أسوار ضد التغيير والتعليم ابتداء من منطقتها. لقد كتب لها النجاح والسيطرة الكاملة بما فيه اختطاف القرار بالتزاوج الكامل بين العسكر والقبيلة من خلال العلاقة القائمة بين الرئيس وشيخ الرئيس، وظل هو الحال مدعوما من قبل الشقيقة الكبرى، حتى توسع وتمدد الجيل الجديد والذي عرف "بالعيال كبرت" حيث توسعت مشاريعهم وكبرت مصالحهم حتى على مستوى مشاريع البلاد التي تقاسموها، ومع تقلص إحتياطيات النفط والعوائد المالية من العمالة اليمنية بسبب الظروف الطاردة لها من بلدان الإقليم. كل ذلك قد أدى إلى أن يكون التكالب بين العيال في أوجه، مما سبب أن " من كانوا يأكلون على المائدة العائلية أصبحوا يتبولون في أطرافها". ولهذا كان بداية انهيارها من داخلها..!! وذلك ما حصل أن انهار ذلك الرابط المقدس عندما تصادمت المصالح والارادات بين الرعيل الثاني "العيال كبرت" وكان ذلك الإنهيار مدويا مع ثورة الربيع العربي حينما اصطفت كل فرقه إلى الجانب الذي ستوظفه لصالحها مستقبلاً. وكانت الفرقة الناجية هي تلك التي اصطفت إلى جانب الثورة الشبابية وكان لها اليد العليا، فقد ركبت في المقاعد الخلفية للعربة ووجهتها إلى الوجهة التي رسمت لها وكان لها نصيب الأسد في السلطة التي استأثرت بجزء كبير منها عن طريق الاقصاء والالغاء مستغلة تنظيمهم الإخواني المترابط واذرعتهم العسكرية الطويلة. وهي بذلك تحاول أن يظل الوضع مع الرئيس الجديد المنتخب عقب الثورة الشبابية هو نفس العلاقه مع الرئيس وشيخ الرئيس، وهكذا وجد الرئيس الجديد الذي جاء من ثقافة مختلفة وحياة اكاديمية متنورة، أنه يمارس ادارة شؤون البلاد على صهوة حصان جامح، في ظل الطوق المحكم من حواليه. استمر ذلك حتى كان سقوط الإخوان المدوي في مصر والذي أثر على نظرائهم في اليمن بعد أن احكمت السعودية والعديد من الدول على حركتهم ونشاطهم وتسليط عدوهم ولو بطريق غير مباشر. وهكذا كما تم الإشارة إليه في البداية كان سقوط نفوذهم ومحاولة تعبئة ذلك الفراغ من قبل جماعة انصار الله التي دخلت في حروب معها لتطويعها ضمن حروب ست دون ان تفلح " مستعينة بجيش الدولة في ذلك الوقت- حيث لم تكن حدود واضحة بما هو يتبعها أو يتبع الشعب"، وقد ظلت تلك الجماعة اشبه بالترمومتر التي تظهر مع بداية فساد وضعف النظام منذ عصور وظل الحال كذلك يتكرر منذ الف عام. ويبدو مؤخراً ان اختلال القوة الآن بعد عمران لصالح احدها، ربما قد أعطى للقيادة العليا ممثلة برئيس الجمهورية، حرية حركة أكثر، والدليل القرارات العسكرية التي صدرت البارحة الموافق 12 يوليو على مستويات عسكرية هامة ، والتي عبرت عن قوة الرئيس وتمكنه من مسك زمام الأمور بين يديه، مما يعطي قناعة كاملة بأنه اصبح يقوى بشكل ملحوظ منذ قرارات 11يونيو الماضي عقب محاولة الانقلاب البائس، الذي لم يمض عليه سوى شهر بالتمام. ولذا أكاد أجزم أنه بينما اختلال التوازن أصبح يميل لصالح جماعة يمكن القول ان ذلك في صالح تقوية المركز لان توازن القوة بين الجماعتين تعني تأرجح المركز بينهما ..وبغياب ذلك التأرجح لصالح تقوية المركز يمكن الجزم بأن تنفيذ مخرجات الحوار الوطني في اتجاه قيام الدولة الاتحادية وبناء اليمن الجديد، إنما اصبح امرا واقعيا" وأكثر من أي وقت مضى.