تحت ستار الحالة الانسانية، اندفعت روسيا الى محاولة الحصول على قرار من مجلس الامن الدولي يفرض هدنة طويلة، او هدنا يومية في اليمن هدفها الحقيقي الافساح في المجال للحوثيين ان يلتقطوا أنفاسهم ويعيدوا ترتيب صفوفهم بعدما شتتتها عمليات عاصفة الحزم سابقا، وإعادة الامل حاليا بمساعدة المقاومة الشعبية الآخذة في الاتساع في شتى أنحاء البلاد. الواضح لجميع المراقبين ان المسعى الروسي ليس بريئا ولا ينطوي على المعايير الانسانية، فهو ينطلق من تبادل مصالح بين موسكووطهران، خصوصا في هذه المرحلة الحساسة من مفاوضات الاتفاق النهائي على البرنامج النووي بين ايران ومجموعة الدول الست، وحفظا لماء وجه نظام الملالي في اليمن، حيث تأكد فشل المخطط التوسعي بعد الانهيار الكبير في صفوف القوى المدعومة إيرانيا، وبعد أن أثبتت دول التحالف العربي ¯ الاسلامي أن هذه المنطقة غير خاضعة لمنطق المناورات السياسية، ولا يمكن أن تكون حديقة خلفية إيرانية كما هي حال العراق، ولا قاعدة ستراتيجية مطلة على البحر الابيض المتوسط كما هي سورية، وأيضا لن تقبل دول” مجلس التعاون” ان تكون صعدة وكرا لأفاعي التخريب الارهابي كما هي حال الضاحية الجنوبية لبيروت، فالخصوصية اليمنية تفرض واقعا مختلفا تماما عن كل تلك الدول والمناطق. أضف الى ذلك ان الشعب اليمني، ومنذ مئات السنين، لم يقبل الخضوع لغاز أو محتل، وقاوم بشراسة جماعات وأحزابا جعلت نفسها حصان طروادة لقوة توسع، وهذه الحقيقة أدركتها الشرعية اليمنية منذ البدء، لذلك حين استعانت بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتشكل التحالف العسكري كان الهدف الاساسي استخدام القوات الجوية لوقف الغزو الايراني المقنع، فيما تتكفل المقاومة اليمنية بالارض، وهو ما تأكد في عدن وشبوة وتعز وصنعاء، وحتى في صعدة. في موازاة كل هذا ومنذ بدء الغزو الايراني المقنع، ارتفعت حدة التهويل من جهات عدة، معروفة الهوية والمقاصد، محذرة من ان الصراع سيدفع باليمن ان يكون صومالا آخر، ليس خوفا عليه إنما في محاولة لمنع دحر مخطط المؤامرة التوسعي، كي لا تفقد ايران موطىء القدم في جنوب الجزيرة العربية الذي عملت 21 عاما على بنائه بحرص شديد. حاول هؤلاء أيضا تصوير الأمر على أنه صراع طائفي بحت، كما فعلوا في العراق وسورية، حيث أغرقوا الشعوب في دوامة الحماسة المذهبية ما أدى الى اضمحلال الشعور الوطني، متناسين في كل ذلك ان الشعب اليمني يدرك الحقيقة، وأعلن ان مقاومته وطنية بامتياز وهي ضد عصابة مأجورة، لم يكن بمقدورها الخروج من المنطقة التي تسيطر عليها الا بتحالفها مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي لا يزال يسيطر على بعض قطاعات الجيش، وقد سعى من خلال ذلك الى الانتقام جراء إبعاده عن السلطة، فاستخدم العصابة الحوثية، متصورا أنه في ذلك يمكنه ان يصبح رقما صعبا في المعادلة، ما يرفع عنه سيف الملاحقة الدولية المصلت عليه منذ بدء مخالفته المبادرة الخليجية وتدخله في شؤون الحكم. اليوم أسدل الستار على الفصل قبل الاخير من التراجيديا اليمنية، ففشل روسيا في مجلس الأمن، هو في الحقيقة تسليم بالهزيمة الايرانية التي معها باتت تصريحات بعض قادة طهران عن السيطرة على العاصمة العربية الرابعة مجرد أضغاث أحلام بخرتها عاصفة الحزم، خصوصا ان لا دول”مجلس التعاون”، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، ولا حلفاء هذا المجلس الدوليين يقبلون، وتحت اي اعتبار ان يصبح اليمن حديقة ايرانية خلفية، او ان تكون هناك قوات عميلة لايران على مشارف باب المندب. منذ الآن والى ان يبدأ الفصل الاخير من المحنة اليمنية المتمثل في محاسبة عصابات الحوثي وعلي عبدالله صالح الذين تورطوا بالدم اليمني، سنرى الكثير من المتغيرات التي تبدأ من صنعاء، ولن تنتهي إلا بخلاص كل العواصم العربية من كابوس الخطف الايراني لتطوى بذلك صفحة سوداء من تاريخ هذه الامة.