ليس محظ صدفة أن تتصاعد وتيرة تهريب الأسلحة الإيرانية إلى اليمن في هذه المرحلة الحاسمة من التحول نحو حلول تنهي الحرب الدائرة في البلاد، ولن تتوقف عن إسداء النصائح السيئة إلى حلفائها الحوثيين، وهي النصائح التي تتجلى في تصريحاتهم المتناقضة عن موقفهم من جدول أعمال المشاورات. هي المدرسة ذاتها التي أنتجت مفاوضين على الشاكلة ذاتها من جانب النظام السوري الغاشم والذين كانوا سبباً في استمرار الحرب المدمرة في سورية وزادوها تعقيداً حتى باتت إيران نفسها أكبر المتورطين عسكرياً في قتل الشعب السوري وتدمير مقدراته. من آن إلى آخر يظهر المتحدث باسم الحوثيين ليناقض ما يعلن عنه المبعوث الأممي إلى اليمن بشأن جدول أعمال المشاورات، ليظهر كما لو كانت الميلشيا هي التي تتحكم بخيوط التحركات الجارية حالياً وهي من يفرض جدول الأعمال. هي المشورة الإيرانية السيئة التي تهدف إلى إبقاء الظروف المحيطة بالمشاورات عائمة وتتسم بالتناقض، ولا تقدم صورة متطابقة لحقيقة ما يجري وما يتم ترتيبه، لكن هذه الميلشيا لا تجرؤ على قول شيء حيال المشاورات السرية التي تجري في الرياض بإشراف سعودي أمريكي وبريطاني. أكثر ما تذهب إليه أنها تحاول إظهار المشاورات السرية التي ذهب إليها الحوثيون صاغرين كما لو كانت ترتيبات ثنائية أي بين الرياض والحوثيين، وهو أمر يجافي الحقيقة تماماً، إذ إن هذه المشاورات هي التي ترسم الخطوط العريضة وتضع الأسس الحقيقية للتوافقات المقبلة التي ستحدد مصير الأزمة اليمنية. لن تذهب الرياض إلى تفاهمات تعيد إنتاج اتفاقية طائف جديدة وفصيلاً طائفياً متسلحاً بإمكانيات الدولة في جنوب شبه الجزيرة العربية، ويعمل وكيلاً لإيران. النقاط الخمس الأساسية التي ستشكل جدول أعمال مشاورات الكويت المقبلة، هي بكل وضوح: الانسحاب، وتسليم السلاح، والترتيبات الأمنية، والحل السياسي، وإنشاء لجنة لإطلاق سراح السجناء والأسرى. والغاية النهائية لهذه المشاورات كما حددها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، تشمل استعادة الدولة لسيطرتها على جميع مؤسساتها، إلى جانب استئناف الحوار السياسي في البلاد. يحاول الحوثيون التشويش على هذه البنود الخمس، اعتقاداً منهم بأن المشاورات الأساسية هي تلك التي تجري في الرياض، وليس تلك التي ستنطلق في الكويت، ما يضمر النية لدى هذه الميلشيا لمعاودة الكرة لاحقاً إذا ما أمنت جانب المملكة وهو ما لن يحدث في الحقيقة لأن المتضرر الأكبر من بقاء ميلشيا طائفية مسلحة ومرتبطة بإيران هي المملكة تماماً كما هو الشعب اليمني. لن تفقد إيران الأمل في ورقة اليمن، التي تلعبها عبر ميلشيا الحوثي الطائفية، وسيبقى العنف هو خيار هذه الميلشيا التي لا يقوم مشروع استعادة الإمامة الذي تتبناه ولا يتم إلا عبر هذا العنف، باعتباره جزء من عقيدتها التي تعتبر أن السلطة حقاً إلهيا لفئة دون غيرها من الناس ويجب استعادتها بالقوة وبالدماء. الأطماع الإيرانية السياسية والجيوسياسية والنزعات الطائفية التي تتحكم في سياسة هذا البلد تلتقي مع نزعة الاستئثار بالسلطة التي استقرت في نفوس الانقلابيين ومنهم المخلوع صالح. أربعة شحنات كبيرة من الأسلحة تضبطها القوات الدولية العاملة في بحر العرب وخليج عدن، كانت وجهتها اليمن ومصدرها إيران، ولا يعلم عن عدد الشحنات الأخرى التي تتمكن من التوصل إلى السواحل اليمنية، فيما يشكل حرباً إيرانية موازية في الجغرافية اليمنية المثقلة بالمتاعب والمثخنة بالجراح. أربعة شحنات كبيرة من الأسلحة تضبطها القوات الدولية العاملة في بحر العرب وخليج عدن، كانت وجهتها اليمن ومصدرها إيران، ولا يعلم عن عدد الشحنات الأخرى التي تتمكن من التوصل إلى السواحل اليمنية، فيما يشكل حرباً إيرانية موازية في الجغرافية اليمنية المثقلة بالمتاعب والمثخنة بالجراح. لن تتوقف شحنات الأسلحة عن التدفق إلى اليمن، ولن تتوقف طهران إن إلقاء المزيد من البارود في تنور الأزمة اليمنية، لأن ملالي إيران لا يرغبون بأن تكون إيران خارج أي تسوية سياسية في اليمن، وهذا الأمر ينبغي أن يكون محل ملاحظة دقيقة ومتابعة مستمرة ويقظة كاملة من جانب السلطة الشرعية والتحالف والقائمين على التسوية السياسية. لا يمكن مواجهة هذا التدخل السافر لإيران في الشئون اليمنية إلى عبر الحرص على تأسيس دولة قوية وديمقراطية في اليمن. ويجب الحرص على ضرورة أن تتحرر هذه الدولة من كل أسباب الضعف وارتخاء القبضة، ومن خلال تكامل سياسي واقتصادي وأمني بين اليمن ودول مجلس التعاون يسد كل الثغرات التي قد ينفذ منها التدخل الإيراني إلى صلب المشهد السياسي لليمن بغية تقويضه من جديد.