اقترب رمضان، ويجب أن نعلم بأن رمضان مثله كمثل أي جوهرة ثمينة إذا لم يحرز قد يسرقه اللصوص، نعم قد يُسرَق منك رمضان كما تسرق سائر الجواهر ، فمنهم إذن لصوص رمضان؟ وكيف يسرقونه منا؟ لنتعرف في هذه المقالة على بعض هؤلاء اللصوص لنحذرهم ونحذر غيرنا منهم؛ لنفوز بشهر رمضان. فلصوص رمضان لصوص كثر، نعم لصوص وأي لصوص إنهم لصوص محترفون يسرقون روحانية الشهر، وفرص الأجر فيه ويفتحون أبوابًا للوزر، ومن هؤلاء اللصوص: أولا: الأسواق التي يضيع فيها أكثر أوقات المسلم، ومنها كذلك المطبخ، والذي يضيع أوقات غالية لأكثر نسائنا، ومنها أيضا: الأكل الكثير، والنوم الكثير، ومن هذه اللصوص أيضا: السهر الفارغ، ورفقاء السوء..، وكذلك البخل، الذي يجعل المسلم يحرم أجر الصدقة في شهر الإحسان...ولكن ما يهمنا هنا هو الحديث عن اللص الأكبر والأخطر؛ هذا اللص هو: التلفاز وما يتبعه من برامج التواصل...نعم أيها - الإخوة- عند ما تصفد مردة الشياطين في رمضان، يوكل هؤلاء المردة مهماتهم التي كانوا يمارسونها قبل رمضان إلى إخوانهم من شياطين الأنس! فما يهل شهر رمضان المبارك على أمة الإسلام، وتهل معه نفحات الأجر والمثوبة؛ إلا ويتأهب شياطين الإنس في التحضيرات السنوية الهائلة من عام إلى عام لصرف القلوب إلى فضاءات البث المباشر الذي ينشر الفساد في البر والبحر! فما يكاد يقترب رجب وأخوه شعبان حتى تنفرد وسائل الإعلام في مهمات الدعاية والتبشير بالأعمال الدرامية الجديدة، تلك التي توصف بأنها أعمال رمضانية، وهو وصف لا علاقة له بعبادة رمضان وطاعة الله فيه!! بل هو موجه لاكتساب حصص الأسود والذئاب في شغل المسلم باهتمامات ساذجة، وإثارة البلبلة والسخافات داخل الساحة الشعبية، حيث يتولى هؤلاء الاعلاميون شغل أوقات وتفكير السواد الأعظم من هذه الأمة ممن تشربت قلوبهم فتن الليل والنهار! فتتوسع هذه الوسائل في إفراد المساحات الكبيرة من وقت البرامج المبثوثة، وصفحات الوسائل المقروءة لعرض تفاصيل مهازل اللهو تحت مسميات " الفوازير " و " المسلسلات " و " المسابقات " وبرامج " النجوم " و " الكاميرات الساخرة والخفية " وبرامج " المنوعات " وما يطلبه المتفرغون!!! كل ذلك من أجل إشغال الناس وتحويل حياتهم إلى حياة اللهو، والهزل، وهدر الوقت، بل هدر العمر!! واكتساب النجومية والشهرة والمال والمكانة بأرصدة الشعوب الغافلة، والمغلوبة على أمرها، فيما تتردى أحوال الأمة من عام إلى آخر، حتى تمكن منها أعداؤها، وساموها سوء العذاب يقتلون رجالها وأبناءها، ويمتهنون نساءها، ويستبيحون الممتلكات والأعراض، وحولوا بلاد المسلمين إلى خرائب، ومقابر فردية وجماعية، وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وما تبقى منهم إلى مشردين ولاجئين؛ والله المستعان! نعم أيها المسلمون: شهر رمضان عاشت فيه الأمة انتصاراتها حيث أمر في رمضان بالجهاد، وكانت غزوة بدر الكبرى (يوم الفرقان)، وكان فتح مكة (الفتح الأعظم)!! كما وقعت فيه موقعة بلاط الشهداء ومعركة عين جالوت.. وغير ذلك من المواطن التي رفعت الذل والهوان عن هذه الأمة، وأعادت لها كرامتها. شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، والذي فضله الله على سائر الشهور؛ وهو شهر العتق من النار، وشهر غفران الذنوب؛ هذا الشهر أمسى في زماننا وللأسف محطة للهو واللعب ومعاقرة الشهوات والإسراف فيما أحل الله وحرم إلا من رحم الله وعصم! فلم لم يعد قطاع واسع من المسلمين يسمع عند حلول رمضان إلا ما يبشر باحتدام المنافسة بين القنوات الإعلامية التلفزيونية، والقنوات الأخرى المسموعة والمقروءة لاستقطاب المشاهدين والمستمعين والمتابعين، وما يبشر باقتراب البرامج المنتظرة المسماة بالرمضانية لإشغال شباب الأمة وصرف قلوبهم حتى في أرجى فرص العام للعودة إلى الله والسمو بقلوبهم ونفوسهم وبصائرهم وأرواحهم !! وتعمل كذلك على التبشير بمواعيد المباريات الرياضية الساخنة ومسابقات الكؤوس المحلية والخارجية، والتبشير بمهرجانات التسوق الرمضانية لترسيخ العادات الاستهلاكية في أسمى مناسبات المسلم السنوية لإفساد روحانية لياليه ومغانمها! انظروا ماذا يقول عليه الصلاة والسلام عن شهر رمضان وتبشيره لنا فيه، وقارنوه بما تبشر به هذه القنوات المسمومة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "جاءكم شهر رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله" ( رواه الطبراني). وتأملوا معي هذه الأحاديث الشريفة التي تبين للمسلم برامج السباق الرمضانية الحقة: قال صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال: " من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه". متفق عليه. قال ذلك عليه الصلاة والسلام حيث بين لنا مجال السباق الرمضاني في مسارات الصيام والقيام، وكذلك في قيام ليلة القدر، وجعل الثمن لهذا السباق هو مغفرة تجعله في حل مما أذنب فيما سبق من حياته!! فأي سباق هذا؟ وأي جوائز خير من هذه! ثم إنها مسابقة رمضانية عامة لا يحرم منها أحد ممن وفق للعمل وأخلص؟ سباق لا فائز فيه وحيد بجائزته الأولى!! ولا هموم معها ولا غموم! ولا ضيق بعدها ولا شقاء وضياع، فكم من حسير فقد برحيل الشهر نعمة إصلاح العلاقة بينه وبين الله في أعظم مواسم التوبة والعفو والمغفرة!! أولئك الذين ذهبت أوقاتهم نهبًا بين لصوص رمضان المحترفين المجندين للتضليل والتضييع، المتخصصين في أعمال السطو الموسمية، المبدعين في تمرير أيام الشهر على جناح الغفلة، المتمكنين من استلاب الناس وسرقة روحانية الشهر الكريم، وفرص الأجر، المجتهدين في فتح أبواب الوزر ليلج الضعفاء السائرون المستدرجون لولوجها بالشهوات. فإياكم ولصوص الصيام، فلو تسلَّطوا على المرء كلهم أو بعضهم وتمادى الشخص معهم، وتورط في مصاحبتهم في شهر رمضان، أفسدوا عليه صيامه، وفتَكوا برصيده، وأفرغوه من حسناته، وحرَموه نفحات الشهر وبركاته، وأخرجوه في آخره مُفلسًا مَغبونًا.