دشن مجموعة من المثقفين والناشطين الخليجيين حملة توقيعات لرفض التطبيع أو التحالف مع إسرائيل. وتأتي هذه الحملة رداً على الحملات السياسية والثقافية والإعلامية المكثفة و(المموهة) للتطبيع التدريجي والسلس مع إسرائيل، في ظرف تشتد فيه أزمات العرب وتتعدد فتتشابك مما يسهل تمرير أي مشروع خطير في غفلة من الشعوب. تدعو الحملة الحكومات الخليجية إلى الاتساق مع تطلعات شعوبها وتوجهاتهم في المحافظة على المواقف المقاطعة للكيان الصهيوني، وإلى معاقبة كل من يخرق تلك المقاطعة وخصوصا بالسفر إلى الأراضي المحتلة من غير الفلسطينيين. كما تدعو الحملة إلى سحب الاستثمارات التجارية من إسرائيل في دول الخليج وفرض العقوبات عليها ضمن حملة BDS العالمية. والجدير بالذكر أن الانفتاح العربي على إسرائيل قد زاد بعد اتفاقية أوسلو عام 1993 التي اعترفت بموجبها منظمة التحرير الفلسطينية بحق دولة إسرائيل بالعيش في سلام بجوار الفلسطينيين. على إثر ذلك افتتحت إسرائيل بعض المكاتب التجارية في بعض الدول الخليجية. وخفت صوت استنكار تواجد الوفود السياسية الخليجية في حضور الوفود الإسرائيلية. ولكن الانفتاح الأخطر هو الذي يأتي في سياق موجات ما سمي بثورات (الربيع العربي). ففي السنوات الثلاث أو الخمس الأخيرة جرى تسهيل زيارة المواطنين الخليجين للقدس المحتلة عبر الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية تحت ذريعة دعم القدس. علما بأن هذه الزيارات تجري بالتنسيق الكامل مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وتحت ترتيبها المباشر. أغلب زيارات الخليجيين الأخيرة للقدس المحتلة حملت طابع زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه. ولكن الزيارات المقلقة حقا هي زيارات الوفود الثقافية المتمثلة في مجموعة من الشعراء والكتاب الذين نفترض منهم درجة كبيرة من الوعي والفهم لأهداف إسرائيل من تسهيل تواجد المثقف العربي وتمتعه بالأمن وبالتمثيل الثقافي لدولته وبممارسة نشاطه الثقافي تحت الاحتلال الإسرائيلي وبإشرافه وقبوله. أما زيارة بعض الوفود الخليجية غير الرسمية إلى إسرائيل وإعلانها تأييد التطبيع السياسي مع إسرائيل، فقد شكلت الصدمة الأقوى للشعوب الخليجية لأن تقاطع أثر كل الزيارات السابقة وذرائعها المتعددة قد يؤدي في النهاية إلى تأهيل المزاج العام الخليجي إلى (بساطة) فكرة التطبيع مع إسرائيل وخلوها من المخاطر مقارنة بمخاطر الحروب العربية الحالية التي أبادت ملايين العرب في العراقوسورياواليمن والسودان والصومال دون تحرك جندي صهيوني واحد ودون إطلاق رصاصة إسرائيلية واحدة!! وهذا يقودنا إلى خطورة القراءات السياسية العربية (القاصرة) للوضع العربي بعد موجات الثورات الأخيرة، فأغلب تلك القراءات تحيد إسرائيل تماما مما يحدث، ومن جنيها المكاسب في المركز الأول من الخراب الكلي الذي يحل بالوطن العربي. فلا يمكن فهم ما يحدث في سوريا من استقدام لكل متطرفي الأرض ومجرميها دون التنبه إلى الجوار الجغرافي الإسرائيلي الذي ساند بعض الفصائل بالقصف الجوي للتقدم، ودون أن يكون حاضرا في ذهننا الطموح الإسرائيلي في تطويع كل المنطقة للهيمنة الإسرائيلية والرضوخ لها. وفي الحرب اليمنية فلا يمكن إنجاز الحرب وتحقيق حل سلمي في اليمن دون أن تتنبه دول الخليج العربي إلى وجود مشروع إسرائيلي في الاستيلاء على بحيرة البحر الأحمر وخنق الدولة المصرية التي ما زال جيشها يشكل التهديد (الوحيد) للجيش الإسرائيلي. فإسرائيل كانت طرفا في مشروع تقسيم السودان، وهي طرف فاعل في أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، وساهمت في تعزيز نفوذ الحليف الإثيوبي في أفريقيا مقارنة بالنفوذ المصري التاريخي. ومن يريد الاستزادة في موضوع الطموح الإسرائيلي في البحر الأحمر وأفريقيا فعليه متابعة تطور العلاقات الإسرائيلية الأفريقية في المدة الأخيرة والعناوين السياسية التي تقود الزيارات وتختتم بها البيانات المتبادلة. ومن الملاحظات التي تستحق التأمل ما تقوم به بعض الجماعات السياسية والإديولوجية في الخليج العربي تحديدا وخصوصا تيار التنظيم الإخواني، فتلك الجماعات تقوم حاليا بتصعيد النموذج السياسي التركي وتعيينه (النموذج الإسلامي) السياسي الحداثي. وصارت تطالب علانية بتحقيق هذا النموذج في التطور السياسي الخليجي والعربي وتعمد إلى الترويج إلى إنجازاته وخطابه وتمسكه بالقيم الإسلامية. وهي في تمجيدها للخلافة العثمانية الجديدة تتجاهل تماما العلاقات الإسرائيلية التاريخية وتطورها حاليا على يد الرئيس أردوغان بأكثر مما كان سابقا. وتتغافل تلك التنظيمات الإسلاموية عن علاقة الجيش التركي، الذي وصفه أحمد داوود أوغلو بأنه جيش محمد، بالجيش الإسرائيلي. وتتحاشى التطرق من قريب أو بعيد لتفنيد العلاقة الإسرائيلية بالنموذج الإسلامي التركي المرغوب في تعميمه. بمعنى آخر فإن النظام الإسلاموي الحداثي الذي كان مقدمة ثورات التغيير الأخيرة وأول متولي الحكم بعدها، هذا النظام لا مشكلة لديه في العلاقات مع إسرائيل ولا موقف له من هذه القضية!! الفوضى التي تجتاح الوطن العربي والتهديد الأمني والوجودي للكثير من الدول والشعوب العربية جعل القضية الفلسطينية خارج أولوياتها، زاد في سوء تلك النتيجة الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، وانخراط بعض الفصائل الفلسطينية في الأزمات العربية دون مبرر. من أجل ذلك كان لابد من يقظة مباغتة من بعض المثقفين والناشطين لإطلاق صرخة في الهواء علها تبلغ المدى: إن التسلل الإسرائيلي بدأ يطفو على السطح وأن صفوف المطبعين قد وصلت الخليج العربي العروبي بتاريخه والقومي بانتمائه.