إخواننا.. زملاءنا.. أظنُّ أنَّ ملامحَ قضيتِنا اليمنيّة قد بانت للكثير، أو على الأقل تبدى الجزءُ الأكبر من ملامحِها، والتي تؤكدُ أنّ مسيرتَنا النضاليّة لا تزال طويلة المشوار، وأننا لا زلنا في الخطوة الأولى، رغم هولِ المشاق التي انتابتنا خلال الخمس السنوات الماضية؛ ذلك أنّ وطننا الغالي الذي يتنزى حُرقا كل يوم قد أصيبَ بأسوأ انقلابٍ فاجر، كما أصيب بأسوأ شرعيّة رثة، ولم تُصَب اليمنُ بنخبةٍ فاشلة وفاسدة في وقتٍ واحدٍ خلالَ تاريخِها القديم والوسيط والحديث والمعاصر كما أصيبت اليوم. نقولُ هذا بكل أسىً ومَرارة، وقلوبُنا تقطرُ دمًا على وطننا الذي أصبح رهنَ الشتات والتمزق والضّيَاع. نحنُ شَعبٌ ذو حضَارة عريقة، وأمةٌ ذات هُويّة تاريخيّة، وداؤُنا المُزمنُ في قيادتنا الأقزام الذين لا يعرفون تاريخهم ولا يحترمون هُويتهم. ولو عرفوا قيمة ومجد هذه البلاد لجعلوا من تلك القيمة رافعة حضارية للبناء والتعمير. زملاءنا الأعزاء.. ها هو وطنُنا اليومَ بين أيدينا تتناهشُه السّباعُ الطامعة، ويكادُ يلفظُ أنفاسَه الأخيرةَ ونحنُ نرى، وبدلا من أن تقومَ شرعيتُنا بمسؤوليّتها التاريخيّة فقد مالت إلى مصالحِها الخاصّة، وتحولَ الكثيرُ من قيادةِ الشّرعية إن لم يكنْ كلهم إلى تجارٍ يُديرونَ تجاراتهم الخاصّة في الداخلِ والخارج، غير آبهينَ بمصير ثلاثين مليون يمني. وإذ نعيشُ هذا الوضعَ المأسَاويَّ المُزري في الداخل والخارج فإننا نجدُ أنفسَنا أمامَ مسؤوليّة أكبرَ في التصدي والمواجهة لمليشيات الحوثي الإيرانية الانقلابية التي كانت السببَ الرئيسَ في كل ما آلت إليه البلاد، بالكلمة الصّادقة التي نمتلكها، كسلاحٍ نواجه به هذا العدو التاريخي أولا، وثانيًا في النقد البنّاء لقيادتنا الشّرعيّة المتدحرجةِ التي استرخت في النعيمِ "تغنيها الجَرادتان" كما فعلَ أجدادُهم بالأمس..! معركتُنا طويلةُ الأمد كما يبدو، وعلينا أن نوجّهَ خطابَاتنا وكلماتنا التي نملكها في هذا الاتجاه، حفاظا على هُويتنا التاريخيّة التي تتلاشى يومًا بعد يومٍ بفعلِ الثقافة الخُمينية التي يستزرعُها الكيانُ الإمامي في صنعاء الحضَارة والتاريخ. إنّ أخطرَ من حَربِ الطائرات والمدافعِ حربُ الكلمة وحربُ الثقافة، وهل جوهرُ خلافنا وحقيقةُ معركتنا مع الكيانِ الإمامي البغيض إلا معركة فكرية ثقافية في الأساس.! ذلك أنّ الحروبَ العسكريّة التقليدية ليست إلا الوسيلة الجادة للهدف الأكثر جدية، فمعركتُنا مستمرة، حاضرًا ومستقبلا، ولن ندعَ اليأسَ يتسللُ إلى نفوسِ الشّعب مهما تلبدت غيومُ الإخفاق أو تكومت ركاماتُ الفشل؛ بل ذلك ما يجعلُ مسؤوليتنا أعظمَ ومهمتنا في المستقبلِ أكبر. الجيلُ القادمُ هو من سينتصرُ لوطنه، والنخبةُ الشّبابيّة المستنيرةُ من داخل العُمقِ الاجتماعي في المُدنِ والأريافِ هم الذين سيقررون مصيرَ الوطن يومًا ما، مواصلينَ نضالاتِ الآباء والأجداد الأوائل: القردعي والزبيري ونعمان وعلي عبدالمغني والسّلال وجُزيلان وأحمد عبده ناشر وعبدالغني مطهر وأحمد عبدربه العواضي ولبوزة وقحطان الشعبي وسالمين وغيرهم، ومستلهمينَ مجدَ سبتمبر المعظم وروحَ أكتوبر المجيد؛ ذلك الجيل القادم الذي يستحق امتياز النّصر المظفر، لا جيل المصالح المزيف. وعلينا اليومَ مهمةٌ تاريخيّة تتمثلُ في العمل على تنويرِ تلك العقولِ، بل قبل ذلك صناعتَها بالثقافة الصّحيحة والفكر السّليم الذي ينتمي لتربة اليمنِ، منطلقًا من هُويتها التاريخية ومجدها العظيم. وقديما قال أحدُ المؤرخين: إنّ لليمنيين وثباتٍ كوثباتِ السِّباع. فلنرسم من اليوم معالمَ الغدِ المنشودِ لأجيالنا القادمةِ، كما فعلَ الروادُ من المناضلين الأوائل؛ لأنّ معركتَنا مستمرةٌ ما دام للكيانِ الإمامي عرقٌ ينبض أو عينٌ تطرف، وإنّ حمايةَ مستقبلِ أجيالنا في الغد هو واجبُنا المقدسُ اليوم. أخيرًا.. نؤكد: المعركة ثقافيّةٌ فكريّةٌ، وهي القولُ الفصل في عالمٍ يضج اليوم بعوالم الأفكار، والكلمة هي السّلاحُ الأمضى الذي سيمحو ثقافة الزيف والدجل وإنْ على المدى الطويل. وحفظَ الله اليمنَ سبتمبريا أكتوبريا للجميع.