توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    4 إنذارات حمراء في السعودية بسبب الطقس وإعلان للأرصاد والدفاع المدني    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    الرقابة الحزبية العليا تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    الاحتلال يواصل توغله برفح وجباليا والمقاومة تكبده خسائر فادحة    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    صعقة كهربائية تنهي حياة عامل وسط اليمن.. ووساطات تفضي للتنازل عن قضيته    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    انهيار جنوني للريال اليمني وارتفاع خيالي لأسعار الدولار والريال السعودي وعمولة الحوالات من عدن إلى صنعاء    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستقلال الوطني لم يكن جلاء لقواعد أجنبية غير استعمارية
نشر في 26 سبتمبر يوم 22 - 11 - 2012

يستعد شعبنا للاحتفال بالعيد الخامس والاربعين للاستقلال الوطني الذي تحقق باجبار القوات الاستعمارية البريطانية على الرحيل يوم الثلاثين من نوفمبر 1967م بعد استعمار طويل منذ عام 1839م، مع الأخذ بعين الاعتبار ان يوم الثلاثين من نوفمبر جاء ثمرة لانتصار ثورة 14أكتوبر المجيدة التي انطلقت من جبال ردفان الشماء عام 1963م، وأشعلت شرارة الكفاح الشعبي المسلح ضد الاستعمار البريطاني الغاصب في الشطر الجنوبي المحتل من الوطن اليمني الواحد.. فيما كانت هذه الثورة العظيمة امتداداً لنضال الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة في القرن العشرين المنصرم ضد الاستبداد والاستعمار والكيانات السلاطينية التي دخلت معه في معاهدات صداقة وحماية ، بمعنى التعاون مع قوات الاحتلال مقابل حماية عروشها من المقاومة الوطنية.. كما جاءت كنتاجٍ موضوعي لثورة السادس والعشرين من سنة 1962م التي دكت معاقل النظام الإمامي الاستبدادي، وفتحت الطريق أمام نضال شعبنا من أجل الحرية والوحدة والديمقراطية والتقدم واللحاق بالحياة العصرية.
اختلف المنتصرون بعد حرب 1994 في الموقف من الاحتفال بيوم الثلاثين من نوفمبر الذي تحقق فيه الانتصار الكبير لثورة 14 اكتوبر 1963م بانتزاع الاستقلال الوطني الناجز واستعادة الهوية الوطنية للجنوب المحتل ، وفي هذا السياق أصر بعض المنتصرين في تلك الحرب على أن ماحدث في الثلاثين من نوفمبر 1967م كان جلاء للقوات البريطانية وليس استقلالا وطنيا، وهو ما تجسد في الخطاب الاعلامي للحكومة الائتلافية التي تشكلت بعد حرب 1994 الظالمة ، حتى انتخابات عام 1997 حيث تشكلت حكومة جديدة غير ائتلافية برئاسة الدكتور عبدالكريم الارياني وأقرت إعادة تسمية الاحتفال بيوم الثلاثين من نوفمبر من عيد الجلاء الى عيد الاستقلال .
ما من شك في أن الذين رفضوا تسمية يوم الثلاثين من نوفمبر بيوم الجلاء خلال الفترة التي تلت حرب 1994 حتى عام 1997 لم يكونوا يتبنون مشروعا للتغييرو بعد تلك الحرب ، بل كانوا يجهلون تاريخ الجنوب ، ويسرفون في محاولات طمس هويته وتزوير وتصغير حقائق تاريخه الوطني الكفاحي ، مع سبق الاصرار على تجاهل الفرق بين الجلاء الذي ينهي وجودا عسكريا أجنبيا بموجب اتفاقية دولية بين دولتين مستقلتين ذات سيادة، حيث يجيز القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة لأي دولة طلب أو الموافقة على وجود قواعد عسكرية أجنبية فوق أراضيها بغرض التعاون والحماية ، كما هو الحال في مصر أثناء نظام الحكم الملكي الذي أسقطته ثورة 23 يوليو بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر، أوالمانيا واليابان وكوريا الجنوبية و قطر والبحرين في الوقت الحاضر ، حيث يحق للدولة التي تستضيف هذه القواعد العسكرية طلب انهاء مهمتها وإجلائها عن أراضيها الوطنية بقرار من جانب واحد يجسد استقلالها وسيادتها على أراضيها وهو مالا ينطبق على يوم الثلاثين من نوفمبر الذي انتزع فيه شعبنا استقلاله وسيادته على أراضيه ، وأجبر الاستعمار البريطاني على الرحيل ، بعد كفاح تحرري طويل وشاق ، وعمده بالدماء والتضحيات .
لقد كان لثورة 14 أكتوبر المجيدة أثرٌ عظيم وتاريخي في دعم ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وتعزيز مسيرتها الكفاحية الصاعدة.. فهي من جهة نقلت المواجهة بين الثورة وأعدائها من أطراف النظام الجمهوري الذي أقامته ثورة 26 سبتمبر، إلى داخل الشطر الجنوبي الذي كان مستعمراً ومحتلاً آنذاك .. ولا زلنا نتذكر الجبهات الرجعية المعادية التي فتحها الاستعمار البريطاني لمواجهة الثورة والنظام الجمهوري في أطراف بعض المناطق الجنوبية والشرقية التي كانت تحكمها سلطنات وإمارات محمية من قبل الاستعمار البريطاني ، وقد أدى انطلاق ثورة 14 أكتوبر إلى فتح العديد من جبهات الكفاح الشعبي المسلح ضد الاستعمار وركائزه في الجنوب اليمني المحتل ، الأمر الذي أسهم في تعظيم مفاعيل الكفاح الوطني على طريق تحقيق الأهداف الإستراتيجية للثورة اليمنية ومن بينها التحرر من الاستعمار وتحقيق وحدة الوطن وبناء المجتمع الديمقراطي.
وكما تعمد نضال شعبنا ضد الاستبداد ومن أجل الدفاع عن الثورة والنظام الجمهوري بالتضحيات وبدماء الشهداء الأبرار، فقد تعمد نضال شعبنا ضد الاستعمار ومن أجل استكمال الاستقلال الوطني والوحدة بالدماء والتضحيات الغالية التي لا يمكن تجاهلها أو التنكر لها .
وبانتصار ثورة 14 أكتوبر المجيدة ، تمّ تحرير الوطن من دنس المستعمرين، واسقاط مشروع الجنوب العربي وإنهاء الكيانات الانفصالية التي بلغ عددها 22 سلطنة وإمارة ودويلة وصولا ً الى توحيدها في إطار كيان شطري واحد ومؤقت حمل اسم اليمن عقب رحيل آخر جندي بريطاني بعد غروب الشمس في يوم الاثنين الموافق 29 نوفمبر 1967 ، كخطوة على طريق تحقيق وحدة الوطن اليمني ارضا ً وشعبا ً ، حيث أُعيدت الهوية الوطنية اليمنية للشطر الجنوبي الذي كان محتلاً ثم أصبح حراً بفضل انتصار ثورة 14 أكتوبر.. وكان ذلك مقدمة لاستكمال تحقيق أهداف الثورة اليمنية (26 سبتمبر و14 أكتوبر) في الوحدة والديمقراطية ، حيث تم رفع علم الجمهورية اليمنية الموحدة في مدينة عدن يوم 22 مايو 1990م، وهو اليوم الذي شهد ميلاد أول نظام ديمقراطي تعددي في التاريخ اليمني الحديث، تتوافر فيه حرية تشكيل الأحزاب والتنظيمات السياسية وحرية الصحافة وغيرها من الحريات والحقوق المدنية ، وفي مقدمتها حق الشعب في إختيار حكامه بدءا ً من رئاسة الدولة ، و مروراً بالسلطة التشريعية، وانتهاءً بالسلطة المحلية عبر انتخابات حرة وتنافسية ومباشرة.. وبواسطة صندوق الاقتراع .
والثابت أن الوطن اليمني أستعاد وجهه الشرعي الواحد، بقيام الجمهورية اليمنية التي دمجت دولتين شطريتين كانت كل واحدةٍ منها ابناً شرعياً لكل من ثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر، وهما ثورتان ترابطت حركتهما وأهدافهما الوطنية في سياق كفاحي وطني واحد ضد الاستبداد والاستعمار.
بيد أن يوم الثاني والعشرين من مايو 1990 لم يكتسب أهميته الوطنية من كونه اليوم الذي أنهى فيه شعبنا واقع التشطير الجغرافي والسياسي الذي انقسمت البلاد في ظله إلى دولتين ونظامين ، بل أنّه بالإضافة إلى ذلك جاء تتويجاً لنضال طويل خاضته الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة، من أجل استعادة حرية الوطن والإنسان، والقضاء على كل القيود التي تحول دون تطوره الحر والمستقل.
بهذا المعنى يمكن القول إنّ يوم 22 مايو المجيد 1990م كان ثمرة لمسيرة كفاحية طويلة، تعمّدت بالدماء والتضحيات الغالية، في سبيل انتصار مبادئ وأفكار الحرية والاستقلال والتقدم والوحدة.. وما كان لهذا الإنجاز الوحدوي الوطني العظيم أن يتحقق بالوسائل السلمية والديمقراطية، لولا الدعم المطلق الذي قدمه شعبنا وقواه الوطنية للإرادة السياسية المشتركة التي صنعت هذا الإنجاز ، حيث جسدت هذه الإرادة أعلى مستويات الوعي الوطني الوحدوي الذي يعود إلى الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة فضل تأسيسه وتعميقه، من خلال عملية وطنية تاريخية ومعقدة.
لم يكن صدفة أن تشهد مدينة عدن التوقيع على اتفاق 30 نوفمبر 1989م الوحدوي التاريخي بين قيادتي الشطرين سابقاً، وأن تشهد هذه المدينة الباسلة رفع علم دولة الوحدة في لحظة تاريخية مهيبة من صباح يوم 22 مايو 1990م الذي قامت فيه الجمهورية اليمنية الموحدة.. فقد كانت مدينة عدن ميداناً لأعظم المعارك السياسية والفكرية والثقافية التي تصدى من خلالها اليمنيون، لمختلف المشاريع والمخططات الاستعمارية الرامية إلى تكريس التجزئة وطمس الهوية اليمنية وتلفيق هويات بديلة ومناطقية وانعزالية تحت مسمّيات مختلفة أبرزها ( الجنوب العربي ) وسلطنات حضرموت والمهرة وسقطرى التي بقيت خارج ما كان يسمى اتحاد الجنوب العربي!!!
على أرض مدينة عدن تجسدت وحدة الكفاح الوطني ضد النظام الإمامي في الشمال والاستعمار البريطاني والكيانات السلاطينية في الجنوب، حيث أثمرت هذه الوحدة الكفاحية ثقافة وطنية وقومية تحررية ، أسهم في تشكيلها الرواد الأوائل من قادة العمل الوطني والنقابات العمالية والمثقفون والصحافيون والأدباء والفنانون، الذين رفعوا عالياً أفكار ومبادئ الحرية والاستقلال والوحدة وتعرضوا في سبيلها لمختلف أشكال القمع والاعتقال والاضطهاد والنفي.
كانت معركة الهوية أولى المعارك التي اجترح الوطنيون الأوائل مآثر كفاحية على محرابها.. فقد أصر الوطنيون اليمنيون على التمسك بالهوية اليمنية للجنوب المحتل، والتصدي لكل المشاريع الاستعمارية والسلاطينية التي استهدفت فصله عن الكيان الوطني اليمني التاريخي الواحد ، وتجزئته إلى 22 سلطنة وإمارة منضوية في اربع كيانات انفصالية يحتفظ كل منها بعلم خاص وجوازات وحدود وجمارك وقوات مسلحة خاصة بها !!!.
كما قاوم الوطنيون اليمنيون بجسارة وثبات محاولات إضفاء هوية مستقلة على كل واحد من هذه الكيانات الانفصالية ، حيث حمل الكيان الأول اسم ( اتحاد الجنوب العربي ) ، وحمل الكيان الثاني اسم (سلطنة حضرموت الكثيري ) وحمل الكيان الثالث اسم (سلطنة حضرموت القعيطي ) فيما حمل الكيان الرابع اسم سلطنة المهرة وسقطرى)!!!
ومن نافل القول أنّ الإستراتيجية الاستعمارية عملت - في بادئ الأمر - على تكريس تجزئة الجنوب اليمني المحتل ، إلى أكثر من 22 سلطنة وإمارة ، وربط هذه السلطنات والإمارات بالإدارة الاستعمارية، من خلال ما كانت تسمى بمعاهدات الحماية والصداقة بينها وحكومة بريطانيا، كما حرصت على تحويل هذه الكيانات السلاطينية إلى دويلات لكل منها هياكلها الإدارية والجمركية والأمنية بالإضافة إلى حدودها المستقلة عن الأخرى!!
بعد نشوء الحركة الوطنية المعاصرة وتبلور أهدافها الوطنية وفي مقدمتها إزالة النظام الإمامي الكهنوتي الذي أقامته الدولة الدينية في شمال الوطن ، والتحرر من الاستعمار والكيانات الانفصالية المرتبطة به في جنوب الوطن ، وصولا ً الى تحقيق الوحدة اليمنية، قام الاستعمار البريطاني في نهاية الخمسينات بتسويق مشروع اتحاد إمارات الجنوب العربي، الذي ضم سلطنات وإمارات ما كانت تسمى بالمحميات الغربية وولاية عدن، بالإضافة إلى تسويق مشروع آخر لإقامة اتحاد بين المحميات الشرقية التي كانت تضم سلطنات حضرموت القعيطي والكثيري والمهرة وسقطرى.
وسيسجل التاريخ بأحرفٍ من نورٍ للطلائع الوطنية في مدينة عدن وكل مناطق الجنوب اليمني المحتل آنذاك مقاومتها الباسلة لتلك المشاريع التي استهدفت تجزئة الجنوب إلى بضعة كيانات انفصالية وإضفاء هوية خاصة منها .. وقد تصدى شعبنا وحركته الوطنية لهذا المخطط الاستعماري بوسائل مختلفة ، كالإضرابات العمالية والمظاهرات الشعبية والاعتصامات والشعارات والأغاني الشعبية والقصائد والملصقات، فيما تعرضت رموزه الوطنية للفصل من الوظائف الحكومية والاعتقال والمحاكمات الصورية والنفي، وغير ذلك من أشكال القمع والملاحقة.. واستمرت هذه المواجهة منذ بدء تسويق هذه المشاريع في نهاية الخمسينات وحتى يوم الزحف الشعبي الكبير على المجلس التشريعي بتاريخ 24 سبتمبر 1962م احتجاجا على ضم عدن الى ما كان يسمى اتحاد الجنوب العربي، حيث تحولت مدينة عدن إلى ساحةٍ ملتهبة لمعارك شرسة بين المتظاهرين والقوات الاستعمارية التي أطلقت الرصاص عليهم ، ما أدى إلى سقوط عددٍ من الشهداء والجرحى ، والزج بمئات المناضلين في غياهب المعتقلات، بسبب تصديهم لمشروع سلب الهوية الوطنية اليمنية عن الجنوب المحتل، وتلفيق هويات بديلة ومناطقية على كياناته المجزأة !!
شاء التاريخ أن يضمد جراح مدينة عدن بعد يومين من تلك الأحداث الدامية، بانفجار ثورة 26 سبتمبر 1962م في صنعاء، وسقوط النظام الإمامي الكهنوتي وقيام أول جمهورية في شبه الجزيرة العربية.. ومنذ ذلك اليوم دخلت الحركة الوطنية اليمنية منعطفاً تاريخياً جديداً، حيث التزمت الثورة ونظامها الجمهوري الفتي بدعم نضال شعبنا في الجنوب اليمني المحتل ، من أجل التحرر الوطني والوحدة، وخصصت حقيبة وزارية لشؤون الجنوب المحتل في أول حكومة وطنية تم تشكيلها في صنعاء بعد قيام الجمهورية، تجسيداً لوحدة الأرض والشعب.
ولئن تعرضت ثورة 26 سبتمبر ونظامها الجمهوري لخطر المقاومة من قبل فلول النظام الكهنوتي البائد، فقد كان الدفاع عنها مرحلة جديدة من مراحل الكفاح الوطني تجسدت فيها وحدة الثوريين اليمنيين شمالاً جنوباً، حيث تعمّدت هذه الوحدة بدماء الشهداء من مختلف مناطق اليمن دفاعاً عن الثورة والجمهورية.
ولدى عودة المتطوعين من أبناء منطقة ردفان الذين ساهموا في الدفاع عن جمهورية السادس والعشرين من سبتمبر، رفض هؤلاء المقاتلون وعلى رأسهم المناضل غالب بن راجح لبوزة الخضوع لأوامر السلطات الاستعمارية بتسليم أنفسهم مع أسلحتهم لغرض التحقيق معهم وكان ذلك إيذاناً ببدء مواجهة مسلحة بين مواطني ردفان والقوات البريطانية التي قصفت منازلهم ومزارعهم بالطائرات والمدفعية الثقيلة، ما أدى إلى استشهاد المناضل غالب بن راجح لبوزة صبيحة يوم الرابع عشر من أكتوبر 1963م، الذي تحول إلى شرارة واسعة أشعلت نار الكفاح المسلح في كل أنحاء الجنوب اليمني المحتل.
باندلاع ثورة 14 أكتوبر انتقلت العملية الثورية التي بدأت يوم 26 سبتمبر إلى مرحلةٍ نوعية جديدة ، تعمقت فيها واحدية الثورة اليمنية، حيث كان النظام الجمهوري يخوض معارك الدفاع عن منجزاته الوطنية في الشمال، ويقدم كل أشكال الدعم اللوجيستي والسياسي والإعلامي لثورة 14 أكتوبر التي كانت تدك معاقل الاستعمار والكيانات السلاطينية في الجنوب ، حتى تمكنت الثورة المسلحة من الظفر بالاستقلال الوطني ورحيل الاستعمار في ال 30 من نوفمبر 1967م ، وإنهاء الكيانات السلاطينية وتوحيدها في دولة واحدة، وإعادة الهوية الوطنية اليمنية إلى الجنوب المتحرر ، كخطوة على طريق تحقيق وحدة الوطن اليمني ، الهدف العظيم للثورة والحركة الوطنية اليمنية.
صحيح أنّ طريق استكمال وحدة الوطن اليمني تعرض لكثيرٍ من العوائق والرمال المتحركة بعد استقلال الشطر الجنوبي من اليمن ، وحدوث عواصف عاتية في الشطر الشمالي .. بيد أنّ قضية توحيد الوطن أرضاً وشعباً ظلت عنوان العَلاقة بين قيادتي الشطرين ، وخاصة منذ وصول الرئيس علي عبد الله صالح إلى قمة السلطة في الشطر الشمالي من الوطن عام 1978م حيث شهدت البلاد نمواً متسارعاً للعمل الوحدوي السلمي بين الشطرين السابقين ، فيما تزايد دور منظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها اتحاد الأدباء والكُتّاب اليمنيين الذي كان أول مؤسسة وحدوية تجاوزت واقع التجزئة ، وجسدت مشاركة المبدعين والمثقفين في تعظيم دور الثقافة الوطنية كرافعة قوية لمشروع الوحدة.
وبفضل استعادة الوطن وجهه الشرعي الواحد، تمكن شعبنا من استيعاب صدمة المتغيرات ودهشة التحولات.. وأصبح مسار الوحدة أكثر قدرةٍ على مواجهة العواصف العاتية وتجاوز المنعطفات الحادة وتضميد الجراح.
منذ ذلك اليوم الذي لا يمكن فصله عن زمن الثورة اليمنية ( 26 سبتمبر14 اكتوبر ) ، جرت مياه كثيرة على نهر الوحدة والديمقراطية.. وشهد العالم متغيرات عاصفة ورياحاً عاتية أدت إلى تبديل خرائط وسقوط نظم، واختفاء دول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.