مما يجعل المشروع الإيراني مختلفًا بالمطلق عن غيره من مشاريع الاحتلال؛ أنه يؤدي إلى تدمير شامل للبلدان التي يصيبها، وأنه ينقلب على أدواته في تلك الدول ويتفرد بالقرار دونهم، علاوة على أن آثاره المدمرة تطالهم كما تطال باقي السكان، الأمر الذي يحولهم تاليًا إلى مساحة رفض هذا المشروع ولكن بعد أن يكون قد استفحل وصار صعبًا إزاحته. سيكون العراق هو النموذج الأوضح لسلوك هذا المشروع في بلد تتشابه ظروفه مع اليمن؛ يبدأ بإسقاط الدولة بالكامل، ثم يقوم بتغيير الديموغرافيا عبر تصفية المواطنين غير المرغوبين بعمليات القتل والتشريد، ثم يخمد أنفاس ما تبقى من أنوية محتملة لمقاومته، ذلك بالتوازي مع امتصاص خيرات وثروات البلد مقابل إغراق البلد في الفوضى والدماء وتجاهل كل واجبات أي نظام حاكم من أي نوع كان بما في ذلك أنظمة الاحتلال. في اليمن، ربما لم يتمكن المشروع الإيراني من السير في مراحله بنفس التراتبية، حيث لا تزال السلطة الشرعية تسيطر على أهم المحافظات ولديها جيش وطني مسنود بمختلف الفعاليات الشعبية، كما لا تزال البنية السياسية حاضرة وإن بشكل أقل فعالية، ممثلة بالأحزاب السياسية، لكنه مع ذلك قد تمكن من إنجاز خطوات ومراحل مهمة كالتخلي عن واجبات الحاكم مثل دفع الرواتب ومستحقات الضمان الاجتماعي، كما قام بتصفية بعض الرموز السياسية والقبلية الموالية له تبعًا لدرجة تأثيرها أو لعدم تفانيها بالشكل المطلوب، وربما لما يراه من احتمالية تحول موقفها إذا توفرت الظروف السانحة. ما تفتأ تتوالى الحوادث من هذا النوع؛ فقد قام مسلحو الحوثي مؤخاً باقتحام منزل الشيخ محمد عسكر أبو شوراب في صنعاء، وهو أحد مشائخ عمران البارزين، ثم أطلقوا النار على رأسه وأحرقوا جثته، ليصل عدد المشائخ الذين تمت تصفيتهم خلال عامين إلى ثلاثين شيخًا، معظمهم تمت تصفيتهم بطريقة بشعة، وكلهم كانوا موالين للجماعة وساهموا في تمكينها من إسقاط الدولة. وعلى الرغم من أن المشروع الإيراني تسبب بتهجير قرابة مليوني مواطن يمني في المناطق تحت سيطرته، إلا أن التغيير الديموجرافي الذي يهدف إليه لم يحصل بعد بتهجير هذا العدد من المواطنين، ولاحقًا لن يكفي أن يعتزل الناس أي دور معارض مقابل البقاء في ديارهم ومناطقهم، بل لا بد من تقيدهم بشرطين مقابل إمكانية تلافيهم التهجير: أن يمدوه بما يحتاجه من دعم مادي تحت مسمى المجهود الحربي، وأن يرسلوا أبناءهم للحرب إلى جواره والموت من أجله، وبالتالي فالقادم المتوقع أن يتم تهجير السكان غير المتقيدين بشرطي المواطنة كما يراها الحوثيون، وبالطبع سيحصل ذلك إذا تمكن الحوثي من إسقاط عمران على الأقل، وهو ما يظهر هذه المحافظة كحامية لمعظم المواطنين تحت سيطرة الحوثي. وعلى ما يبديه معظم اليمنيين من رفض لهذا المشروع، فإنه سيظل يتقدم في مراحله المختلفة، ما لم يتحول الرفض اليمني إلى فعل مقاوم، وهذا لن يحصل ما لم يستشعر كل الرافضين الخطر المباشر وعلى المستوى الشخصي في حال نجوز هذا المشروع حتى النهاية. ليس الرافضين فقط من يتهددهم هذا الخطر، بل والموالين إما بدوافع سلالية أو فكرية أو براجماتية، وذلك ما حصل ويحصل في العراق حيث اندلعت احتجاجات وصلت إلى مستوى الثورة الشعبية، وكان في طليعتها العراقيون الشيعة الذين وجدوا أنفسهم ضحايا كغيرهم من المواطنين نتيجة تغول هذا المشروع الذي كسّر عظام الشعب العراقي وجعله غير قادرٍ على الوقوف مجددًا مهما علا فيه الرفض واضطرم الغضب. وقد كان النفير العام الذي أعلنته محافظة تعز خطوة مهمة في سبيل الحيلولة دون تمكن المشروع الإيراني في اليمن، وبصرف النظر عن توقيتها المتأخر ومستوى الاستجابة لها، فإنها خطوة لابد أن تتكرر في المحافظات المحررة كمرحلة أولى، من تعز إلى حضرموت والمهرة، فكل اليمن هدف للسيطرة الإيرانية، ومن السفه الاعتقاد بإن إيران حريصة على المدن البعيدة عن جغرافيتها كصعدة وحجة، أكثر من حرصها على المحافظات الجنوبية القريبة منها والتي ستمنحها الإطلالة الاستراتيجية على خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي، كما ستمكنها بشكل أكبر من تحقيق مراميها التوسعية في الخليج. وإذا نفرت المحافظات المحررة فإن الروح ستسري في المحافظاتالمحتلة وسينكسر هذا القيد اللعين وإن بخسائر هي أقل وأهون ألف مرة من خسائر التمكن الكامل للمشروع الإيراني في اليمن. إن دحر هذا المشروع سيمكننا بعد ذلك من الاختلاف حول كل المسائل، الوحدة أو الانفصال، الشكل الحالي للأقاليم أو أي شكل آخر، سيمكننا من الصراع بأي مستوى، كيمنيين لم ينسوا أنهم أخوة، وعليهم الآن أن يفعلوا كل شيء لتجنب أسوأ المصائر التي لا يتمناها منهم أحد، بما فيهم الحوثيون أنفسهم!