من يوميات مدينة تحت الحصار 114.. حينما مات الشيخ وجعا وقهرا مات الشيخ السبعيني المقعد... لم تنته الحكاية بموته في بلد مات فيها الضمير، وانعدمت فيها إنسانية المليشيا مات الشيخ عبدالقادر الشيباني وجعا وقهرا ومرضا في بلاد ضاع فيها الحق، وانتفشت فيها المليشيا الخارجة من أدغال الحقد والعنف والكراهية. لا منطق للرحمة، لا مكان للإنسانية، ولا خوف من الله، ولا حياء من الناس مات الشيخ أمام أنظار الشرعية، والمنظمات الإنسانية، والعالم المتحضر. لا الشرعية استطاعت حماية من هم في مناطق سيطرتها، ولا كفّت فوضى عنف الحزام الأمني الذي يقلق أمن عدن ومن يعبر ترابها! مات الشيخ عبدالقادر الشيباني بعد خمسين يوما من خروجه من المعتقل، فهل تعي الشرعية أنها خذلت اليمنيين، وهل تعي الإمارات أن حزامها الذي نسف أحلام اليمنيين صار قاتلا بطريقة وحشية! الحكاية بدأت عندما قصد الشيخ عبدالقادر برفقة زوجته وولده مطار عدن في رحلة علاجية إلى القاهرة، هوجمت الأسرة من قبل مسلحين، وتمّ اختطاف شيخ مقعد بكرسيه المتحرك! لم يرافقه في رحلة الوجع غير كرسيه المتحرك، وهو المريض بورم في الدماغ، وهو الشيخ الداعية الذي أحسن كثيرا للمحتاجين والفقراء، وتبنى مشاريع إغاثية عبر جمعية الحكمة، لم يكن يتقن غير أعمال البرّ، ويغيث الملهوف، ويسعى في حاجة المحتاجين. لم يشفع له عمره، ولا مرضه، ولا عجزه عن الحركة! لم تنته الحكاية ... أُخفي الشيخ بضعة أشهر قبل أن يتوصل أبناؤه لمعلومات تفيد بأنه في سجون الحزام الأمني بعدن. كتب عنه الناشطون وخرجت حملات تضامنية في عدن تنديدا بالاعتقال، ومطالبة بالافراج عنه ليتلقى العلاج، قوبلت تلك الاعتصامات بالتجاهل. ظل الشيخ عشرة أشهر في معاناة السجن والمراض بين عجز الشرعية، وصمت الإمارات التي تتحكم بالأمن في عدن عبر وكلائها الذين ماتت فيهم المروءة والنخوة والإنسانية. لم يتوقف أولاده وأحباؤه عن المناشدة والمتابعة، المتابعة انتهت بعجز عن توفير العلاج له وهو في سجنه. و أخيرا آن للحكاية أن تنهي الفصل الأكثر وجعا، إذ ساءت حالة الشيخ، تعب جسده المثقل بالآلام التي زادها السجن سوءا، ليتمّ الأفراج عنه وقد أعياه المرض. قضي الشيخ خمسين يوما بعيدا عن ظلمة السجن وإيذاء السجان. كانت أيامه الأخيرة، ليرحل تاركا وراءه أسرة موجوعة بوجعه وفقده. رحل الشيخ صابرا محتسبا، لم يحن جبهته لجلاديه، و لم يكتب التماس عفو من أحد، رحل ثابتا مرابطا، تاركا سطورا موجعة في إحدى صفحات الحرب اليمنية، الحرب التي أكل فيها اليمني لحم أخيه، وخان فيها مسؤولو البلاد أماناتهم، وأسلموا اليمنيين لعصابات تعبث بأرواحهم. رحم الله الشيخ عبدالقادر الشيباني رحمة الأبرار.