الجزيرة في عامها الحادي والعشرين قناة ذات ماض وبلا مستقبل. دشنت الجزيرة ثورة الإعلام الاخباري العربي وتحولت إلى ظاهرة ثم فشلت في التحرر من قيد المال القطري لتتدهور عبر عقدين من الزمان إلى قناة بروباغندا حكومية. قدمت الجزيرة أشهر البرامج الحوارية واشهر التغطيات الاخبارية وشكلت مدرسة اعلامية عربية بنكهة عالمية. لكنها أيضا سقطت في وحل التصفيات السياسية والتعبئة وتصفية الحسابات الاقليمية وتجميل وجه القاعدة والحوثي وطالبان. كان العمل لدى قناة الجزيرة حلم أي إعلامي، وصار العمل لديها اليوم استثمارا مربحا مقابل التخلي عن معايير العمل الاعلامي واخلاقياته. التحول الذي جرى لقناة الجزيرة شبيه ب"مسخ الكائنات" في التراجيديات اليونانية لكن هذه المرة من الجميل إلى الأبشع على الدوام. لم يعد لدى الجزيرة ما تخفيه اليوم. ولم يعد لديها ما تظهره أيضا. انزع شعار الجزيرة الشهير من على شاشتها وتابع المضمون ولن تجد فرقا بينه وبين مضمون أي قناة بروباغندا حكومية. تدخل الجزيرة عامها الخامس والعشرين بملفات مهنية وأخلاقية ثقيلة: ملف المال القطري وحقيقة ان "من يدفع للزمار يطلب اللحن الذي يريد". وقد عزفت الجزيرة كل الألحان التي طلبها المال القطري ولو كان بامكانها الرقص على الألحان لرقصت وملف العلاقة مع القاعدة وطالبان، تلك العلاقة التي تعدت الدعاية إلى تورط اثنين من موظفيها بعلاقات مباشرة معها ادت الى محاكمتهما وسجنهما. وملف التورط في دعم محور ايران-حزب الله- الحوثي دعما يتجاوز المماحكة السياسة إلى الارتباط الاستراتيجي. الجزيرة تاريخ من الفخر والعار ومن المهنية والسقوط ومن الإبداع والتخادم. في رواية "المسخ" لكافكا، صحا بطل الرواية ليجد نفسه وقد انمسخ إلى حشؤة ضخمة وقبيحة. ترى كيف ترى الجزيرة نفسها وهي تصحو صباح العام الخامس والعشرين؟.
