الشمس باهتة وباردة. الموالعة يتزاحمون شبه يائسين في الدروب المتوازية بين الدكّات التي يتربّعها مقاوتة بكبرياء أباطرة. كثير منهم مسلح تسليحاً كاملاً، كأنه آت من الجبهة أو ذاهب إليها. الجميع تقريباً تنضح قسماته تعباً يؤطره جَلَد شبه بطولي. لا أحد سعيداً، سواها! مهمّشة من تلك اللاتي يعتشن من التسول. يغطيها السواد بالكامل، عدا الوجه. تتمخطر متنقلة من مقوّت إلى آخر، هذا ينفحها غصن قات وذاك يكتفي بأن يتبادل معها كلمة غزل تتلقفها بقهقهة طويلة، ماضية إلى الذي يليه، متغنجة. ظلت تتنقل في السوق بخفة فراشة، وبتلك الثقة لأميرة تتمشى في أروقة قصرها بين صفوف من الوصيفات. إنها السعادة تمشي على قدمين. أما هو فبقي يراقبها من ركن السوق متجمداً، يتمعن الاستثناء المرح في حشد من المتعبين الحزانى. اشترى قاته وخرج من السوق عائداً إلى البيت مشياً. الفراشة السوداء ترف في عقله بلا توقف. ابتسم في سخرية: "كم أن السعادة أمر سخيف!". وهو ينطق هذه الجملة تحركت في أعماقه حقيقة لم يمكنه أن يعترف بها، خوفاً على كبريائه. أغمض عينيه قليلاً كأنما ليمزق صورة مزعجة ماثلة بإصرار أمام نظره. تنقل بين مواضيع أخرى كثيرة إلى أن وصل البيت.