يبدو أنه القدر الذي جعلنا نعيش حتى نصل حالة طالما تحدثت عنها الأفلام وهي حالة الجنون الرسمي. فالأحداث الأخيرة في اليمن، بدون أدنى شك، عبارة عن حالة شبيهة بحالات الجنون، وكان سيغفر التاريخ فيما لو أن من قام بها المواطن العادي نتيجة الاختناق الاقتصادي، لكن الأفدح والذي لا يغفره التاريخ هو ان من قام بذلك الدولة ممثلة برئيسها الحالي. تعالوا لنرى كيف حدثت حالة الجنون الرسمي: ففي الوقت الذي تبقى فيه أزمة اليمن اليوم مفتوحة جاءت الأخبار لتفيد بانتهاء أزمة جامع الصالح، باتفاقية بين الرئيس والمؤتمر الشعبي العام كل بنود الاتفاقية تدل بما لا يدع مجالاً للشك أنها نهاية محرجة للرئيس هادي. والسؤال الذي تولد تلقائياً لدى الكثير هو: لماذا تم حصار الجامع أصلاً ؟ ثم وأين تلك الأسلحة والسجون السرية والسراديب...الخ، كما روجت أكثر من 40 وسيلة إعلامية تابعة للإخوان. من السذاجة الرد على السؤال السابق خاصة وانه لم يكن هناك أي تصريح رسمي يؤكد أو ينفي إشاعات الجهاز الإعلامي للإخوان! وكل ما شاهدناه هو إعلام إخواني يكذب ويكذب كعادته التي نبت عليها منذ فجر التاريخ. ما نريد قوله هو إن الرئيس هادي ورفيقه جمال بنعمر أصيبوا بالجنون، كما يبدو وهذا ما دفعهم لارتكاب حماقات متلاحقة بدءاً باليمن اليوم ومروراً بحصار جامع الصالح ووصولاً إلى عمل اجتماع داخل سنحان مسقط رأس الرئيس السابق لأنفار من المواطنين قيل انهم يتضامنون مع الرئيس هادي المنتهي ولايته دون الإفصاح عن السبب الذي دفعهم لعقد هذا اللقاء القبلي. سر الجنون الذي بدا عليه الرفيقان هو في الواقع سبب مركب، الجزء الأول منه أن الرئيس هادي يريد السيطرة على رئاسة المؤتمر إلى جانب إزاحة صالح نهائياً من خارطة الصراع استباقاً لوصول المبعوث الخليجي الذي يخشى هادي وبنعمر معه من وصوله حتى اللحظة وهذا هو الجزء الثاني . محاولة التخلص من صالح وإخماد الغضب الجماهيري على الحكومة ومنح هادي فرصة تغيير الدكتور القربي وإفشال عمل المبعوث الخليجي هي الأسباب التي أدت إلى تضخيم حادثة اعتراضية جرت في صنعاء نتيجة اختناق المواطنين . وفي الواقع لم تكن اليمن اليوم قد بثت شيئاً حينما تم السطو عليها والواقع أيضا يقول ان جامع الصالح لم يكن يشكل في الواقع أي خطر على حياة الرئيس هادي أو حتى مستقبله في البقاء كرئيس بلا تاريخ انتهاء. وما يؤكد كل هذا هو انغلاق الرئاسة على نفسها في حالة تشابه حالة الديكتاتورية الناشئة والتي غالباً ما تسعى للتخلص من منافسيها سواء بالتوريط أو بالاستفزاز ولهذا كان صالح قد كشف كل هذا التخبط ووضح حقيقة ما يجري بحديثه ليلة إغلاق القناة مع الزميل نبيل الصوفي بقوله : من يتعامل بالفعل ورد الفعل سينتهي سريعاً. وتلك رسالة قوية وواضحة ولا تحتاج لأي تفسير آخر كما يبدو . لا نريد الحديث عن أسباب التغير الذي طرأ على الموقف، ولكن سنكتفي بالإشارة إلى أن ما فعله هادي لم يلاقِ إعجاباً بقدر ما لاقى استهجاناً من قبل أصدقاء اليمن الذين فسروا تصرفات هادي بجنون ديكتاتوري مخجل. في اعتقادي أن استفزاز صالح بإغلاق قناته المفضلة أو الوحيدة أو نافذته الوحيدة نحو العالم استفزاز غبي كما هو الحال بالنسبة للاستفزاز الذي حاولوا من خلاله إغلاق جامع الصالح الذي يعتبر الروح الشامخة لصالح بفكرة توريط قديمة تقوم على الاتهام وتثبيته بقوة الديكتاتورية وليس شيء آخر. وهو استفزاز كشف عن حجم غبائه ذلك الاتفاق الذي انتهت معه المشكلة والتي ثبت من خلال بنودها أن كل ما جرى أعمال تفتقر للعقلانية والمسئولية. والوصف الدقيق لما حدث لا يمكن أن يخرج عن حالة الجنون الرسمي فعلاً. * المنتصف