تتعمق أزمة الثقة في المؤسسات والقطاعات الرسمية، وألقت بظلال داكنة على المؤسسة العسكرية والأمنية مع الكشف المتلاحق عن قرارات بتعيينات وتغييرات على مستوى القيادات في الألوية والوحدات العسكرية، دون الإعلان عنها (قرارات غير معلنة)، تتخذها قيادات وزارة الدفاع بصورة متلاحقة وتستهدف قيادات بارزة وألوية عسكرية مهمة على طريقة (الإزاحة والإقصاء المتدرج والمنظم). أخطر التداعيات تنبئ باستبدال وتغيير قيادات عسكرية بأخرى من لون وطرف واحد محسوبة عملياً على اللواء علي محسن الأحمر وحزب الإصلاح. الأسبوع الماضي صدرت قرارات غير معلنة ولم يتم الإبلاغ عنها حتى للقوات وقيادات القطاعات العسكرية المعنية. وفوجئت القطاعات والوحدات المشرفة والتابعة لها بنزول لجان تسليم واستلام دون سابق إعلام أو إعلان بالتغييرات المتخذة. الأمر الذي ولّد حالة من الاستياء والتذمر في صفوف الضباط والصف والجنود، علاوة على فرض قيادات عسكرية محسوبة على قائد الفرقة الأولى ومعرفة بانتمائها المتشدد لحزب الإصلاح. في محافظة مأرب، تم تغيير قائد اللواء 14 الذي كان محسوباً على الحرس الجمهوري بقائد جديد من رجال علي محسن الأحمر وإخواني مخضرم. والقرار لم يعلن عنه بصورة مسبقة، لكن التداعيات كانت صاخبة وسريعة، حيث كشفت المصادر للصحيفة عن اشتباك عنيف بالأيدي شهده اجتماع اللجنة الأمنية بمحافظة مأرب، على الإثر، أطرافه كل من قائد المنطقة العسكرية الوسطى (اليافعي) وقائد اللواء 14 حسن لبوزة ومدير فرع الأمن السياسي العميد ناجي حطروم، ونشب الاشتباك والعراك الذي وُصف بالعنيف بين الثلاثة على خلفية القرارات والسياسات الإجرائية المتبعة والتي تهدد بتعميق هوة الخلافات والانقسامات داخل المؤسسة العسكرية. من جهة ثانية كشفت مصادر عسكرية عن توجه لتسليم معسكرات (فرضة نهم) التي تشرف على المدخل الشرقي للعاصمة صنعاء لقوات موالية للواء علي محسن الأحمر وقيادات إصلاحية، الأمر الذي يعد تراجعاً وتنصلاً عن اتفاقات وتفاهمات سابقة بتسليم المعسكرات المذكورة لقوات محايدة من الشرطة العسكرية. وأفادت المعلومات أن قوة عسكرية تحركت فعلياً من صرواح مأرب (اللواء العسكري الذي تسلمه اللواء الشدادي المعروف بولائه المطلق للإخوان المسلمين ومن أبرز رجالات علي محسن الأحمر وكان اللواء المنشق أسلم إليه قيادات المواجهات في جولة كنتاكي بصنعاء أواخر العام الماضي) متوجهة إلى فرضة نهم. هذا التطور من شأنه أن يغذي الاحتقانات السياسية والقبلية والاجتماعية في المنطقة، خصوصاً وأن الحوثيين يعتبرون تسليم المعسكرات والمواقع العسكرية المهمة على امتداد الخط الواصل من صنعاء إلى الجوفومأرب لقيادات إصلاحية ولرجال علي محسن الأحمر بمثابة استهداف مباشر وغير مباشر لجماعتهم وتقوية لجانب وجبهة الإصلاحيين وحلفائهم الذين يخوضون جولات صراع وتحفز مع جماعة الحوثي. مقابل ذلك أصدر وزير الدفاع قراراً غير معلن أيضاً قضى بتغيير قائد اللواء (3) مشاة جبلي (الصمع) بآخر من المتقاعدين العسكريين – قائد سابق للواء ومتقاعد. وبالإضافة إلى اعتماد استدعاء المتقاعدين العسكريين في أكثر من حالة وقطاع وإعادة التعيين لهؤلاء في وحدات وألوية عسكرية مهمة، كسياسة أخرى متبعة، أريد للقرار الأخير أن يبعث على الإيحاء بأن التعيين الجديد في اللواء الثالث مشاة جبلي مقابل تعيين الشدادي في اللواء 14 بمأرب مع البون الشاسع بين الحالتين. على أن التعيين واستدعاء المتقاعدين يوحي، بحسب مراقبين، باللعب على الاستمالة ومقايضة الولاءات بالقرارات وإحداث اختراقات نوعية في مواقع عسكرية مهمة وحساسة استكمالاً لسياسة تعتمد منهجية الإزاحة والإحلال (تخفيف لمفهوم الإقصاء والاستحواذ). وفي السياق نبهت مصادر عسكرية ومراقبون إلى خطورة تمرير قرار تسليم مداخل ومخانق العاصمة صنعاء – الشمالية والشمالية الغربية والشمالية الشرقية للواء علي محسن الأحمر وحزب الإصلاح بفرض الأمر الواقع. ما يعني تسليم العاصمة وأمنها ووضعها تحت رحمة محسن وحلفائه.. ويشكل هذا التداعي خطورة حقيقية لجهة الإخلال بالتوازن العسكري وتوازن القوى يعمل لحساب ما يسمى ب"الجيش الحر المؤيد للثورة" بقيادة علي محسن الأحمر (الانشقاق العسكري). ويتضاعف الشعور بالخطر ورصيد القلق والمخاوف الماثلة بالنظر إلى عملية إزاحة وإحلال مشابهة تتم على صعيد الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية، خصوصاً في العاصمة صنعاء. حيث استهدفت قرارات وحركة التغييرات خلال الأشهر الماضية فرض قيادات أمنية جديدة من لون الفرقة الأولى وحزب الإصلاح الذي قطع شوطاً واسعاً في ابتلاع وزارة الداخلية. مجمل هذه التطورات تعمل ضد التوازن بين القوى. وتضيف إلى قوات وميليشيات الطرف الآخر (القبلية والحزبية والعسكرية المنشقة) القوات الأمنية الرسمية والحكومية والمواقع العسكرية الاستراتيجية. ووفقاً للقراءة السابقة فإنه لم تعد هناك قوة موازنة تكبح شطط وجموح وطغيان القوى المتكتلة على الأرض من المليشيات المسلحة إلى القوات غير النظامية إلى العسكرية المنشقة. بحسبة مراجعة بسيطة فإن ما حدث ويحدث يمثل انتهاكات متتالية ومتصاعدة لروح المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة واشتغالاً من خارج حدود وأسوار التسوية السياسية، بل تمنع تغيير أو تعيين مدير عام إلا بالتوافق وبالعرض على السلطات العليا. غير أن ما يحدث بات يتم دون حتى الإعلان عن القرارات. والأخطر أن المؤسسة العسكرية والأمنية هي المستهدفة بهكذا مخالفات عميقة تطال المبادرة والاتفاق السياسي وتنال من – منهجية الوفاق الانتقالي، في مرحلة انتقالية يفترض بها أن لا تكون فسحة لإحداث انقلاب جذري يخل بالتوازن ويمكن طرفاً بعينه في معادلة الصراع من فرض أجندته وسطوته على المشهد.