( لطائف) في السياسة لا وجود للمنهجية، فما يمكن أن يكون اليوم لصالح الجغرافيا يمكن أن يكون غداً لصالح التاريخ أو الفيزياء أو العلوم الاجتماعية. وفي السياسة، أيضاً، لا تنظير ولا قواعد، فكل نظرياتها لا تعدو عن كونها احتمالات أو فرضيات قابلة للنقد والنقض معاً. اليوم على مستوى السياسة الوطنية، تعيش الأحزاب السياسية مرحلة ال(رافعة) التي يجلس على جانبها الأيمن حزب المؤتمر، ويجلس على جانبها الأيسر حزب الإصلاح، بعد أن كان لكلا طرفيها مزيج متكامل بين هذا وذاك. لكن في منتصف الرافعة يجلس القاعدة واضعاً كلتا يديه على الحزبين العريقين ليقرأ عليها بأم الكتاب! فبعد أن أصبح المؤتمر متحوثاً والإصلاحيون متدعوشين، أصبح من حق القاعدة أن يحصل على محور الارتكاز على هذه الرافعة، وقد كان له ما أراد. إنها فوضى السياسة التي قلبت موازين الشعب، وأطلقت عنان تصوراته إلى أقصاها حين جعلته خارج حدودها ومصالحها، وكأنها كانت تحكم قطيعاً من الحملان أو جيشاً من الفئران أو أسراباً من الغربان، فلا ندري كيف تنظر إلينا حكومتنا وكيف تفكر في مصيرنا دولتنا. فهل من المسؤولية في شيء أن تتقاسم الأحزاب الكبرى في الوطن أدوار الولاية والوصاية وتحشد إلى جانبها أرتال الفتنة والنكاية على عين شعب عينه لا تنام وأمام صمت العقلاء الذين يبدو أنهم ملّوا الكلام..؟! أي ذنب اقترفه هذا الشعب أمام محكمة الوطن ليكون مصيره مجهولاً إلى الحد الذي نرى ونسمع؟! لقد أصبحت السياسة لعبة مفردات قذرة، مثلها مثل الكلمات المتقاطعة، لكنها لا تمت للثقافة أو العلم أو الأدب أو الفن بأي صلة. إنها لعبة أدوار أيضاً، فلا وجود بيننا للدواعش، ولا مكان بيننا للإرهابيين، وليس من أبناء الشعب اليمني من يمكن أن يتستر على خيانة أو رذيلة. إنه من أبسط شعوب الأرض وأبعدها عن التعقيد، ومن يريد أن يفهم ذلك، عليه بزيارة اليمن بعد الظهيرة، حيث يرى أقصى صور الأمن والطمأنينة، وأقساها في نفس الوقت! فالشعب اليمني شعب ذو مزاج اجتماعي خاص، لا يعرف الارستقراطية ولا يألفها. ومن المؤسف أن يكون من يدمر وحدة هذا الشعب ويحرق ثقافته ويقتل ذاته المستقلة هو من أبناء جلدته وممن يفترض بهم حماية الوطن بما فيه من ثروات بشرية وطبيعية، الحكام وولاة الأمر الذين ارتدوا أثواب الخيانة والجحود والنكران ووضعوا الشعب على مقصلة الخذلان..