مواقف الأحزاب السياسية من أزمات الوطن، تبقى مجرد محاولات قابلة للنجاح أو الفشل أمام قناعات شعبية كبيرة تناهض الوقوع في هاوية الاقتتال والعنف والتخريب، لكنها تقع في نفس الخطأ الذي تقع فيه أحزاب الوطن.. إنه التناقض بين الموقف والقرار، ففي الوقت الذي نرفض فيه الفوضى بشتى أنواعها، وندين العنف بكل ألوانه، إلا أننا نعجز عن صد هذا العنف والتخريب عبر الوعي بمدخلاته ومخرجاته أيضاً، بل إننا نكاد نكون شركاء فعليين في حجم الدمار الذي حدث أو سيحدث على أرض الوطن. فالخوف من الإبلاغ عن تحركات مشبوهة، مثلاً، أو مواجهة تلك التحركات بطريقة ذكية لا تسمح لأولئك المخربين بالاستقرار الدائم أو المؤقت بهدف تنفيذ خططه التخريبية.. أبقى بعض المواقف والتحركات لرموز الأحزاب السياسية مجرد محاولات يائسة للدفاع عن النفس تماماً، كما هو الحال مع أي فرد من أفراد الشعب فقد الثقة بقدرة الدولة بكل رموزها على الدفاع عن أبناء الشعب، فقرر الدفاع عن نفسه بطريقته الخاصة..! وهكذا، فإن ذلك السعي الحثيث والمبذول من قبل الأحزاب السياسية المعنية بالصراع، أو تلك الرموز الوطنية التي تمثل الشعب من أبناء القبائل أو الأكاديميين أو المثقفين.. كل تلك تبقى مجرد محاولات عبثية يحاول الجميع من خلالها تأخير عقارب الساعة إلى الخلف، والتقاط لبعض الأنفاس، وإعادة متوترة لترتيب أوراق ضائعة.. إننا نخطئ في حق أنفسنا خطأ كبيراً حين نظن أن بعض الاتفاقيات المذيلة بتوقيعات إجبارية أو اختيارية ستكون سبيلاً لحل النزاع القائم في الوطن. فتلك النزاعات لا تهدف لتصحيح وضع أو تحريك قناعة، بل هي سائرة في طريق استراتيجي قائم على تبادل مصالح عُليا، تلك المصالح لها خلفيات عرقية ودينية وسياسية لها جذور تاريخية عميقة ليس من السهل تصديرها إلى مكتبة الوطن في ملف سياسي مختوم بالشمع الأحمر! يطمح الجميع، إلى قرار مسؤول لا يستثني طرفاً على حساب طرف آخر، أياً كان توجهه السياسي، لكن هذا القرار لا يمكن صياغته وفق واقع ممزق ورؤى مشتتة، وإنما وحدة وطنية رامية إلى وحدة سياسية ومصيرية واحدة. لا يتحقق الأمر بهذه الروح المتعالية للساسة، وذلك الفكر الضحل لرعيّه لا تخشى إلا الجوع..