وصل النظام الانتقالي في اليمن إلى طريق مسدود، وفقد السيطرة على الواقع بشكل ملفت، في وقت ضاعف إرسال الإيحاءات، من مخططات للإطاحة به، بدافع إثارة مخاوف حكومات دول الإقليم، لاسيما المجاورة لليمن. ففي غضون تسريب وسائل إعلامية مقربة من الرئيس الانتقالي، مزاعم بوجود مخطط انقلاب خلال 48 ساعة – انتهت قبل 7 أيام – تشترك فيه جهات محلية وخارجية، تناولت صحف خليجية (يرتبط مراسلوها في صنعاء بمكتب نجل الرئيس) معلومات عن مخطط آخر للإطاحة بالرئيس.
وتناولت صحيفة سعودية، الجمعة الماضية، نقلاً عن مصادر يمنية في صنعاء، ما قالت إنها مفاوضات جرت بوساطة إيرانية - عمانية، مع الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد، للعودة إلى اليمن، وترؤس ما سمّته، "مجلساً للإنقاذ الوطني"، يضم شخصيات شمالية وجنوبية، بعد إقصاء الرئيس اليمني الحالي عبدربه منصور هادي عن السلطة.
وتكشف هذه المزاعم، جزءاً من اعتماد نظام هادي، على التسريبات الإعلامية، لإثارة مخاوف حكومات الخليج العربي، وبالذات السعودية، المتوجسة من تمدد جماعة الحوثي، جنوب حدودها الجغرافية مع اليمن.
ويركز النظام الانتقالي في هذا الملف، على اختزال الاحتقان الشعبي المحتد في الشارع المحلي، جراء سياساته المرتبكة وفشله في إدارة المرحلة، في جماعة الحوثيين، مستغلاً تنافر مشروع الجهة الإقليمية التي تتهم بدعم الحوثية (إيران) مع المشروع السعودي في المنطقة.
وفي السياق، تؤكد مصادر سياسية عليا، أن توجهات النظام اليمني، حالياً، تسير في اتجاه مضاعفة اللعب على ورقة القلق السعودي من توسُّع نفوذ الحركة الحوثية، بالتوازي مع مواصلة تقديم التسهيلات لسيطرتهم على مقاليد الأمور، على أن يتم توظيف ذلك في سياق مساعي الرئيس لحث السعودية على التمسك به في رئاسة الدولة.
وبحسب المصادر، فإن فريق هادي يشتغل في الأثناء، على تضخيم النفوذ الحوثي، إلى جانب بعث إيحاءات للجهات الخارجية المؤثرة في الداخل اليمني، بأن الدفع باتجاه انتخابات عامة ينتج عنها مؤسسات دستورية، سيفضي إلى استبدال النظام الحالي بآخر مرتبط بالحوثيين، وصولاً إلى إقناعهم بدعم بقاء هادي بكل عجزه.
وتلجأ السلطة الحالية، إلى ترديد الاتهامات لتغطية كل سقطة يقع فيها الرئيس ومعاونوه، عبر تحريك ماكينات الإعلام الموالية، لإشاعة تهويمات لا وجود لها في الواقع، كما حصل أخيراً بتناول معلومات بوجود مخطط وشيك للانقلاب على هادي، وباشتراك عسكريين بدلوا ولاءهم للحوثيين ويتعاونون مع ضباط محسوبين على الرئيس السابق.
وتفيد مصادر مقربة من الرئاسة، بأن الانكشاف الذي وقع فيه هادي، وانعكس في قرارات التعيينات الأخيرة لمحافظين في ست محافظات بالمناصفة مع الحوثيين، اضطره لافتعال ضجيج إعلامي للتخفيف من وطأة التداعيات على علاقته بدول الجوار، خاصة وأن الرئيس المؤقت تقاسم المحافظات مع زعيم الحوثيين، في ظل معارك كلامية متبادلة بين الجانبين، وبالتزامن مع اتهامه للجماعة بالتخطيط للإطاحة به.
وفي غير مرة، أقرت سلطة المبادرة بكونها لا تحكم، غير أنها تسوق للخارج، تطلع الشارع لعملية انتخابية عاجلة تنقذ البلاد، ك"مؤامرة تهدف الانقلاب على الشرعية"، على أن مكمن الخطر في أنها تصوغ بذلك مواجهة أهم مقررات المبادرة الخليجية والآلية المزمنة، بالنار.
ومع أن خطاب زعيم الحوثيين من معقله بمحافظة صعدة بشمال البلاد، تضمن إشارات صريحة بتورط الرئيس هادي ب"دعم الإرهاب وتنظيم القاعدة، والتستر على الفساد وممارسته عبر نجله". إلا أن الرئاسة بدت غير معنية بنفي تلك التهم أو الرد عليها، مكتفية باستثمار من فهم تهديداً مباشراً في خطاب عبدالملك الحوثي، لاستجداء دول الإقليم مزيداً من الدعم السياسي والمادي.
ورغم أن كثيراً من المحللين يستبعدون قيام الحوثيين بأية خطوة عملية ضد الرئيس هادي، إلا أن فريق الأخير، ذهب إلى طرح تساؤلات مثيرة على غرار: هل يستطيع الحوثي الإطاحة بهادي؟
على أن هذه التساؤلات، لا تعني جهلاً بطبيعة التغير في خارطة التحالفات السياسية، أو موازين القوى الجديدة، بقدر ما تهدف إيصال رسائل للخليج – بالذات - وإثارة مخاوفه وصولاً إلى مضاعفة الإسناد للرئاسة اليمنية.
برأي كثيرين، فإن تصعيد الحوثيين نبرة خطابهم باتجاه هادي، جاء ضمن تفاهمات مشتركة معينة، تتيح للأخير تنفيذ مكاسب جديدة للجماعة، وفي ذات الوقت توفر للرئيس ما يحتاج من المبررات لإقناع الخليجيين، وخاصة السعودية القلقة من توسع النفوذ الحوثي جنوب حدودها.
ويستند هؤلاء، إلى أن الحوثية أكثر القوى المحلية المستفيدة من بقاء الرئيس هادي، خاصة أنها حققت، في غضون فترة وجيزة من حكمه، مكاسب سياسية وميدانية، لم يحققها حزب سياسي على مدى عقدين من الزمن، ومن هنا يكون بقاء الرئيس الضعيف والبائس - حد وصف صحيفة "فورين بوليسي" الأمريكية - مصلحة حوثية بالمقام الأول، وهذه بديهية تجهلها حكومات الخليج. *أسبوعية المنتصف