تتوالى الأحداث بسرعة قياسية وتستغرقنا التفاصيل وتغيب عنا الصورة الكاملة تلك الصورة التي يعمل عليها خبراء ومفكرون ويطبقونها بحرفية عالية تدعوا للاعجاب الشديد لهذا الذكاء المذهل في فهم وتوقع ردات أفعالنا. من يراقب الحركة السياسية والأمنية والعسكرية في الإقليم (الشرق الأوسط بدء من إيران وانتهاء بالمغرب) يلاحظ مرتكزات هذا الشرق قد أقصيت عن الفعل السياسي فخرج العراق من الصورة مبكراً منذ العام 2003 وأتت أحداث ما سمي بالربيع العربي ليخرج ليبيا ومصر وسوريا عن الفعل السياسي المؤثر في المشهد الشرق أوسطي ونتيجة الخلل والضعف البنيوي التي كانت تعانيه هذه الدول كان من السهولة اخرجها من المعادلة السياسية عبر اضطرابات داخلية تلهيها عن ما يحظر لهذا الشرق الملتهب ومن أراد أن يتصدر المشهد تم تحذيره فأكتفت الجزائر بالمشاهدة عن بعد ودس الأردن رأسه بالرمال وأكتفى المغرب بمداوة نفسه بنفسه. إذاً ما هو المشروع وما هو الهدف؟ من يراقب الأحداث على المدى الطويل والمتوسط لا يجد سوى رابط واحد في كل ما يجري عنده تصب كل الخيوط وهو يصنع بعضها ويستثمر البعض الأخر وهو اللاعب الأمريكي بكل جدارة. ما يميز السياسة الأمريكية أن لها مرتكزات ثابتة لا تحيد عنها ومرتكزها في الشرق الملتهب أساسين أثنين هما: 1 – أمن الطاقة وبالتالي حفظ أمن الخيلج المنتج لهذه الطاقة وحفظ أمن خط الملاحظة من الخليج وحتى البحر الأحمر مروراً بالبحر الأبيض المتوسط وما شاطئه من دول. 2 – أمن إسرائيل كدولة حليفة لإمريكا. وما بين هذه المرتكزات تتغير السياسات والأساليب والخطط ويظل الهدف واحد أنا لا أقول طبعاً بعقلية المؤامرة أن كل ما يجري هو برسم وتخطيط أمريكي مطلقاً وإنما أقول بأنها من الذكاء الفائق بحيث استطاعت أن توظف ما يجري لمصلحتها بكل ما تحمله الكلمة من معنى. إن ما يجري في اليمن وسوريا ومصر ولبنان والبحرين والأردن كل مترابط لا ينفصل مطلقاً إلا في ذهن من تستغرقه التفاصيل البسيطة ولا يرى الصورة الكاملة للحدث، لنراجع الأحداث ونحاول نجد الرابط بينها. بتاريخ 17/ 4/ 2013 قال السفير السعودي بلبنان علي عواض العسيري التالي: (ان أبواب المملكة وقلوبها مفتوحة أمام حزب الله وان ما يربطها به هو شعور الإخوة وحب لبنان،إن السعودية وحزب الله على تواصل مستمر بأشكال مختلفةإن نقاط الالتقاء بيننا أكبر من نقاط الاختلاف") وفي 19/ 6/ 2013 كان الكلام كالتالي: (سيتم ترحيل كل من يدعم حزب الله الذي أخطأ بحق نفسه وحق طائفته ولبنان هذا القرار يستهدف المتورطين في دعم مادي ملموس للحزب"، مشددا على أن "ما حدث هو رد فعل على الفعل). صدور قرار عن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بإدراج الجناح العسكري لحزب الله ضمن قائمة الاتحاد للمنظمات الإرهابية مع ترحيب حار من قبل الخارجيتين الإمريكية والإسرائيلية. حشد مقاتلين جهاديين (القاعدة) للذهاب إلى سوريا واليمن لجهاد الرافضة كما يسمونهم. عدم محاولة إنهاء الأزمة السورية من قبل أمريكا لا سلماً كحل سياسي ومؤتمر جنيف 2 ولا حرباً عبر تدخل دولي كما حدث بليبيا. محاولة حصار إيران مالياً وسياسياً وعسكرياً عبر القواعد المنتشرة بالخليج وأفغانستان لإشغالها بنفسها عن من سواها. إضعاف الدور التركي كلياً عبر التخلص من حلفاءه الإقليميين وفك المحور الذي تشكل بعد الربيع العربي المكون من قطر ومصر وتركيا فتم عزل أمير قطر السابق والتخلص من مرسي الإخوان والضغط على تركيا عبر الاكراد والقضايا الداخلية الملحة. خطف الدبلوماسي الإيراني بشارع صفر بمنطقة حدة. الجولة السياسية للقيام بمفاوضات سلام مقترحة ما بين الفلسطيين والإسرائيليين في ضل أسوأ وضع ممكن أن يحدث للعالم العربي والإسلامي فكل الدول الإقليمية المؤثرة على المشهد الفلطسيني مغيبة بالكامل فسوريا مدمرة ومنهكة وإيران منشغلة وحزب الله يحاول الحفاظ على راسه وقد تم تشويه صورته إعلامياً أنه حزب شيعي رافضي كافر ومرحب بإسرائيل أن تضربه متى رغبت، وحركة حماس تم زجها في الموضوع المصري وأصبحت مكروهة في الوجدان الشعبي الكاره للإخوان المسلمين وهي في أضعف مراحلها كان حزب الله وحماس هما قائدي الجماهير العربية قبل ثلاث سنوات من الآن أما حالياً فحزب الله محاصر بشيعيته وحماس محاصرة بإخوانيتها ولن يأسف أحد على التخلص منهما طبعا حماس مصنفة إرهابياً في قوائم الاتحاد الأوربي منذ فترة طويلة ولحقها حزب الله اليوم. مصر خارج الحسبة الدولية والأردن يتحسس رأسه ويحاول بناء تحالفات إقليمية للتخلص من الإخوان وقطر تم سحب جميع الملفات من بين إيديها، وتركيا كما أسلفنا لا حول لها ولا قوة. وبالتالي أصبحت منطقة الشرق الأوسط ملعباً خالياً إلا من لاعبين أثنين هما أمريكاوروسيا ما يهم أمريكا هما الأمران السالفا الذكر أمن الطاقة وأمن اسرائيل وما يهم روسيا هو الحفاظ على سوريا كمنفذ استراتيجي بنظام حليف وعلى هذا تم الاتفاق بين القطبين فلا تخلص من النظام السوري ولا دعم للجماعات المسلحة على أن تتفرغ أمريكا لمشروعها. أما اللاعبين الصغار بالشرق الأوسط فهم يتصارعون فيما بينهم فالسعودية مسيطر عليها الرعب الشيعي الرافضي ولا ترى السياسة إلا من هذا المنظار وبما أن الملفات سحبت من قطر فقد سلمت للملكة يديرها الأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية وعلى هذا الأساس يتصرف فرسالة بئر العبد عبر سيارة مفخخة في ضاحية بيروت الجنوبية معقل حزب الله تذكرنا بالمتفجرة ذاتها وبنفس المكان وكشفت التحقيقات تورط بندر بن سلطان حينها وكان سفيرا للمملكة في واشنطن وغيرها من التفجيرات التي استهدفت حزب الله في لبنان، كما حشد مشائخ ورجال دين سلفيين وعقد تدريبيات عبر معسكرات رسمية في محافظة صعدة ضد الحوثيين لا تقدر عليه سوى المملكة، كما وإسقاط ومهاجمة الإخوان المسلمين في مصر والترحيب المبكر والدعم المالي الهائل للنظام الجديد بالقاهرة، كما سقوط مرشح قطر للإئتلاف السوري المعارض وانتخاب رئيس موالي للمملكة على رأس الإئتلاف السوري وهو شيخ قبلي بالمناسبة أحمد الجربا، كما الضغط على الأردن عبر تدريب عناصر الجيش السوري الحر في أراضي المملكة الهاشمية وشراء الأسلحة وادخالها إلى سوريا وتهريب سجناء القاعدة من العراق اليوم وهروب 1000 سجين في عملية منسقة والتفجيرات التي يشهدها العراق يومياً ووو كل هذا يدفع للاعتقاد بأن هناك حرب هائلة تدور رحاها في هذا الشرق الملتهب وقد كشف كل طرف عن وجهه وتم الاستغناء عن القفازات وأصبح الصراع مكشوفاً بين محور إيران الإقليمي ومحور المملكة السعودية. لننتظر النتيجة لكنا مقبلين على صيف ساخن جداً وأقليم ملتهب سيلفح بنيرانه الجميع!!! -- Abdulmalik Eissa فيسبوك