الآن والآن فقط تأكدت من عجلة التقدم التي تحركت للأمام ولا يمكن أن تتراجع إلى الخلف، فسرعتها التي تشبه سرعة البرق لم تفرق بين أقرباء الرئيس صاحب العجلة وبين المواطنين الفقراء الذين تطحنهم كل يوم وليلة وكل ساعة ودقيقة وثانية، لقد وصل أنين الآهات إلى منزل الرئيس وفي ذلك دليل كامل على تحرك العجلة وسرعتها الجنونية. لقد مرت عجلة التقدم من العرضي صباح الخميس ووزعت غبار الأنين والآهات بين الحاكم والمحكومين. تساوى الناس في الأنين والآهات وسكب القصر الدموع كما سكبت الأكواخ الدموع، انها السماء وحدها من تفلسف عدالتها في هذا الكون. عامان من الموت والدمار والأنين المستمر ومن الآهات البركانية التي تتفجر في بيوت الصفيح والأكواخ وخيام الصحراء دون أن يشعر أحد من القادة والمسؤولين بما تعانيه الزوجة الأرمل، والأم الثكلى، والابن أو الابنة اليتامى، عامان تمران والحوادث والتفجيرات والدمار والموت تعلن عن نفسها بصوت مرتفع وعالي الضجيج، يقابله صمت أهل الكهف لحكومة الوفاق وسكوت مفجع لرئيس الجمهورية، لم نسمع الحكومة يوماً تأسف على الدماء التي تراق في كل مكان، ولم نسمع الرئيس يكلف نفسه حتى عناء العزاء لأسر الضحايا الذين تحصدهم الطائرات من السماء والعبوات المتفجرة من الأرض أو المسدسات التركية الكاتمة للصوت بواسطة الاشخاص الملثمين الذين يسرحون ويمرحون على الموتورات سيكل صباح مساء في شوارع العاصمة وأزقة وحواري حضرموت بمدنها وجغرافيتها المتسعة. الرئيس هو المسئول الأول عن أمن هذا الإنسان الباحث عن لقمة العيش في هذا الركام من الأنين والوجع الثوري وتحت هذه السماء من الضياع، وهو يعلم كل العلم من يقف وراء هذه الفوضى ومن يدبر ومن ينفذ، فأجهزته الأمنية قادرة على معرفة كل ذلك، ومن حق هذا الشعب، الذي طوَّقه بأمانة المسئولية، أن يعرف من الذي يمارس هواية الموت ضده، ومن الذي يدمر مقدراته، ومن الذي يعبث بأمنه النفسي والاجتماعي والاقتصادي. فقد ولى زمن الصمت وآن للرئيس أن يكاشف شعبه بالحقائق بكل صدق وأمانة، فالحسابات السياسية والتقنية التي يتبعها لن تجدي في زمن الانفجار المعرفي وزمن تسرب المعلومات من بين أنامل صناع الحدث أو من تحت شفاه عشاق الصمت. إنّ أشد ما أخافه أن تتدحرج "عجلة التقدم" وتقضي على ما تبقى من رمق لهذا الوطن، فالصراع والتناحر على أشده في صعدة وحجة، والاغتيالات مستمرة في كل جغرافيا اليمن، والطائرات التي تحلق في أجواء اليمن بدون طيار تقتل في كل ساعة وحين، والتوتر والترقب بين كل فصائل المجتمع وشرائحه على أهبة الاستعداد وهو قابل للانفجار في أي لحظة، وحركة التقطع والاختطافات تكاد تعم اليمن كلها. وما تنفك عجلة التقدم للرئيس هادي تحمل المزيد من عوامل التقدم والغد الأفضل ومن الصمت المطبق والسكوت الممل. والحمد لله على العافية. * "المنتصف"