برغم بشاعة الأحداث، وكآبة المشهد في هذا البلد المكلوم بأبنائه، والمتشظي إلى قطع متناثرة يتناحر أفراده، وتنهشه جماعاته، رغم كل ذلك إلا أن المستقبل يبدو أجمل، والنهاية السعيدة تبدو قريبة. قد يبدو التحليل غريباً وبعيدا عن الواقع ومحلقاً في فضاءات من التمني، لكن هكذا أراه وهكذا ينبئني. ما يحدث اليوم وبالأمس وقبله، وما سيحدث من اغتيالات وتفجيرات وقطع للكهرباء وقطع للطرق ومعارك هنا ومعارك هناك، تماماً هو ما حدث في 94 من محاولات للقضاء على فضاء الحرية التي كانت تنعم به اليمن بعد قيام الوحدة اليمنية. إنها حرب نحن أو الموت شعارها، هي تلك مراكز القوى ذاتها من تشن هذه الحرب حتى تبقى محافظة على مصالحها غير آبهة بموت أحد أو حياة أحد، يدعون تمثيل الحق المطلق، هم الثورة والثورة هم. مراكز النفوذ والقوى التقليدية لا تريد أن تفقد آخر قلاعها وحصونها في نعيم السلطة، فتحاول بكل وسائل ممكنة القضاء على أي أمل بالتغيير، قد يبدو أن هناك أملاً ما في مؤتمر الحوار الوطني رغم مساوئه الكثيرة وأكبر سيئاته جمال بن عمر، لكن الحوار في حد ذاته جانب إيجابي يرسم مستقبلاً مشرقاً ليمن فتي، يسعى نحو مداواة جراحه التي تنكبها على مدى ثلاث سنوات منذ ما سمي بثورة الشباب. مراكز القوى والنفوذ التقليدية التي التحقت بالحراك الشعبي تحاول توجيه المستقبل نحو تعزيز سيطرتها، وتحاول عدم انحراف المسار وتحقيق حلم الجماهير بيمن ديمقراطي فيدرالي حقيقي، ينعم فيه الجميع بالمواطنة المتساوية، تكره رؤية أطراف سياسية كالمؤتمر الشعبي العام يحقق التوازن معها أو يحمي بعض مكتسبات حراك شعبي كانت له مطالب محقة، لا تريد رؤية تيارات سياسية ناشئة قوية قادمة على المشهد السياسي اليمني، تريد أن تختزل المشهد السياسي في ذاتها ونهجها، لذلك أي ممارس آخر للسياسة فهو لا يفهم منها سوى "السيجارة والكأس" أما هم فهم أصحاب السياسة وأربابها. دعونا نعزز من مراكز الاعتدال بداخل كل حزب سياسي مدني يسعى نحو ممارسة السياسة كفن الممكن والقبول بالآخر، نريد أن يكون اليمن ملكاً لجميع أبنائه، للمؤتمر الشعبي العام وللتجمع اليمني للإصلاح وللحزب الاشتراكي اليمني وللتنظيم الناصري والبعثي وأنصار الله والحراك الجنوبي والتيارات الدينية والقبلية والسياسية، وليكن الجميع شركاء في بناء الوطن وليس للتصارع على حساب الوطن. باعتقادي أن كل ما يجري حالياً من اغتيالات للشخصيات وتصفية للضباط في الجيش والأمن ما هو إلا شهقة الموت الأخيرة التي تحاول فيها عصابة مختبئة خلف ألف وجه وألف لون دفع اليمن نحو الاحتراب لأنها لا تعيش في ظل الاستقرار، تريد الفوضى لتزدهر، فهم تجار حروب لا تجار سلام، في الحروب وفي ظل الخوف يستطيعون تسويق أنفسهم لدى الدول الأخرى بأنهم حماة الديار ومن يحاربون الكفار. هي عصابة تخصصها فقط القتل بدم بارد وهو قتل بوسائل مختلفة تكون عبر تفجير أنابيب النفط أو أبراج الكهرباء أو مجزرة العرضي أو اغتيال جدبان أو إعدام ضباط وجنود الجيش والأمن أو تفجيرات هنا أو هناك، وسيقتلون من كل التيارات والمشارب، سيقتلون من المؤتمر، من الاشتراكي، من السلفيين من الإصلاحيين، من أنصار الله ومن الجنوبيين، هم يشنون حملات إعلامية لتشويه أطراف سياسية معينة لأغراض التمهيد للاغتيال الجسدي ويستخدمون الدين كوسيلة لتشويه الآخر. في اللحظات الأخيرة سيحاولون خلط الأوراق ويعبثون بكل التيارات، لكن كل هذه الأساليب والوسائل تعبر عن عجز وانسداد الأفق السياسي لمشاريعهم الضيقة ولم يعد في جعبتهم إلا هذه الوسائل التي تريد اجتثاث كل شيء من أمامهم، وهي آخر ما يمكنهم استخدامه من وسائل وأساليب.. إنها شهقة الموت الأخيرة، لذلك أنا متفاءل بغد أفضل ويمن جديد. دمتم بخير * أسبوعية "المنتصف"